ساسة السيرك!
كان ارسطو اول من عرف الانسان بانه حيوان سياسي، والشائع انه حيوان ضاحك او مفكر ولكي نصدق ارسطو علينا ان نعيد تعريف السياسة بحيث يتسع ليشمل حتى ملح الطعام، خصوصا اذا تذكرنا ان هناك حربا في التاريخ سميت بحرب الملح، واخرى احدث منها سماها كاسترو حرب السكر عندما قال لسارتر اثناء زيارته في هافانا ان الكوبيين وحدهم من يعرفون مرارة السكر.
العرب لديهم مفهوم جاهز للسياسة لكنه حكر على الخيول رغم ان مهنة السائس اتسعت ايضا لتشمل السيرك فثمة سائس نمور واسود وقردة ايضا.
ورغم الصخب السياسي في العالم العربي الا ان المشتغلين في هذا الحقل المليء بالالغام هم نخبة محدودة العدد.. لان اكثرية النساء لاعلاقة لهن بهذا الشجن اللهم الا اذا كان معناه الشعبي هو مسايسة الاخر سواء كان ابا او زوجا او ابنا لاسباب اجتماعية خالصة.
وثمة من يرون ان القطفة الاولى لحصاد الحراك العربي الذي بدأ منذ عام هي اقبال الناس على السياسة، التي كانت محظورة لانها تورد الى التهلكة، فالامهمات كن يوصين ابناءهن بالابتعاد عن هذا الخطر وكذلك كثير من الاباء. وكان تدني نسبة المقبلين على صناديق الانتخاب دليلا على هذا العزوف. واحيانا تنشر بعض الصحف العربية تحقيقات او حوارات مع ساسة تحت عنوان مثير للسخرية وهو بعيدا عن السياسة وعالمها.
وكأن هناك فعلا واحدا في حياتنا لا صلة له بالسياسة، فالاقتصاد من صلبها وكذلك متوالية الاستهلاك المحموم وهي تدخل الى المطبخ ايضا، ما دام هناك بشر يتداولون حساء العظام او ينتظرون حصتهم من اللحم بين عيد وعيد.
والعرب ادق من ارسطو على الاقل في هذه المسألة، فهم لم ينافسوه كثيرا في منطقه او جدليته او ريادته الفلسفية لكنهم تفوقوا عليه عندما جعلوا من السائس اسم الفاعل الوحيد للمشتغل في ترويض الخيول واحيانا في تدجين البشر.
وهناك مواسم للاقتراب على حذر من السياسة، منها الحروب مثلا، ففي حروب الخليج الثلاث تحول اناس عاديون وباعة متجولون الى جنرالات لبضعة ايام او اسابيع فقط، واذكر اني سمعت مصطلحات مما يرشح عن الفضائيات يرددها افراد لا يعرفون دلالاتها، ومنهم ايضا من تورط في مناقشة اسباب تفوق طائرة عسكرية على اخرى، لكن ما ان يصدر بيان بوقف اطلاق النار او الاحتلال بمباركة دولية وقومية حتى تختفي هذه المصطلحات وتصبح اجرة البيت واسعار العقارات والسلع هي الاهم، بل هي كل شيء.
كثيرة هي المفاهيم الملتبسة في حياتنا والسياسة من هذه المفاهيم، فحتى وقت قريب كان يوصف الانسان الناعم الذي يصل الى اهدافه دون عسر بان يسايس الاخرين، اي يخدعهم لكن باسلوب ماهر.
وحبذا لو بقينا عن ذلك المفهوم نتبادل الخدع لنحقق غاياتنا. لاننا ما ان تصورنا اننا دخلنا الى السياسة من بابها الواسع حتى اكتشفنا بانها اسطبل، وان السائس فيها لا السياسي هو الادرى بشعابها.
فهل نشكر ارسطو ام نعاتبه؟
فهو على الارجح لم يتحدث عن سيرك اثينا واسطبلاتها!