الدولة تعيد ترتيب المجال الديني
أخبار البلد ـ يتحرك النشاط الديني في بلدنا على ثلاثة مسارات: المؤسسات الدينية الرسمية، والقطاع الخاص الديني، والتدين الشخصي، هؤلاء يتنافسون على خدمة الدين، وقد يتصارعون -أحيانا- عليه تبعاً لمصالحهم أو فهوماتهم لمقاصده، والنشاط الديني لا يختلف عن غيره من النشاطات السياسية أو الاقتصادية، لا من حيث تعدد مسارات الفاعلين فيها، أو اشتباكاتهم داخلها، نحن هنا نتحدث عن "بشر” يصيبون ويخطئون، ويحتاجون الى "قوانين” تضبط حركتهم، وتحاسبهم إن تجاوزوا، كل ذلك في سياق انعاش الوازع الديني في المجتمع، وضمان حضور الدولة وسيادتها.
على مدى الايام الماضية انصرف النقاش العام، في مجالنا الديني تحديدًا، وفضاءات مجتمعنا بشكل عام، الى قضية المراكز الدينية ودور تحفيظ القرآن الكريم، ثم تحول الى عراكات واتهامات استندت في البداية الى خليط من المعلومات والإشاعات حول منع وزارة الاوقاف المراكز والجمعيات الاسلامية من عقد دورات العلوم الشرعية، بعد ذلك تبين من بيان اصدرته الوزارة وتوضيح نشرته جمعية المحافظة على القرآن الكريم ان مسألة "المنع” غير واردة، وان ما جرى يتعلق بنظام صدر في مطلع العام الحالي، ربط هذه المراكز والجمعيات بوزارة الاوقاف التي طلبت بالتالي منها تصويب أوضاعها لتتمكن من مواصلة انشطتها كالمعتاد.
ما حدث كان مجرد "نسخة” من الاشتباكات والمناوشات التي يشهدها المجال الديني، فهذا المجال مفتوح "للاستثمارات” الدينية وفيه فاعلون متعددو الاتجاهات، وهو – مثل غيره – يحتاج الى "ضبط” ومراقبة، ويفترض ان يكون مثالاً ونموذجًا ملهما للآخرين، لأنه ببساطة يتحدث باسم الدين وقيمه السامية، لكن الواقع يبدو أحيانًا غير ذلك.
لدينا جمعيات ومراكز اسلامية تقوم بواجبها، سواء في الدعوة أو بالمحافظة على القرآن وتحفيظه لقطاع عريض من الشباب (ذكوراً واناثاً)، ولدينا أيضًا وزارة اوقاف مكلفة بشؤون المساجد والوقف ولها مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، بمعنى ان الدور الذي ينهض به المجتمع يفترض ان يتكامل مع دور المؤسسة الرسمية، لكن يحدث أحيانًا ان "تتصادم” هذه الأدوار، ليس في الهدف ولا غالبا في المنهج، وانما بالإجراءات والإدارات، ما يقتضي ان يكون ثمة "مرجعية” قانونية يحتكم اليها الجميع، وقد حصل ان تولت وزارة الاوقاف هذه المسؤولية بعد ان كانت موزعة على أكثر من جهة، وصار من الواجب "تصحيح” الموازين على هذا الاساس.
الآن، يبدو اننا أمام مرحلة إعادة "ترتيب” المجال الديني، فالدولة – في تقديري – تريد الإمساك بزمام المبادرة لإدارة الشأن الديني، بما يتناسب مع الاستحقاقات التي تفكر بها، وفي سياق هذا "الترتيب” سيتقلص دور بعض التيارات الدينية التي أخذت حظوتها في السابق، وسيتصاعد حضور تيارات اخرى بديلة، وربما ستشهد المؤسسات الدينية تغييرات مقبلة، بحيث تتولى تنظيم كل ما يتعلق بالنشاط الديني، كما سنشهد خطابا دينيا بمواصفات جديدة تخدم هذا المسار.
يبقى ان استعادة الدولة لحضورها في المجال الديني الواسع، او قيامها بترتيبه، يجب ان تستند الى "استراتيجية” واضحة ومقنعة، كما يفترض ان تحظى بمشاركة العلماء الموثوق بهم، وبقبول المجتمع، زد على ذلك الحفاظ على خصوصية بلدنا ومزاجه الديني المعروف بالاعتدال.