اخبار البلد - صالح الراشد
خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان مطأطأةُ الرأس، بعد أن أجبرتها قوات طالبان على الدخول معها في مفاوضات مباشرة انتهت بإتفاقية الرحيل المُذلة، والتي أعادت ذكريات فيتنام والهزيمة الأمريكية، ولم تستطيع القوات الأمريكية الإنتقام على طريقة الأفلام من طالبان، فالصوراريخ بعيدة المدى فقدت تأثيرها في بلاد جبلية ومتعددة الطبيعة الجغرافية، وكذلك قصف الطائرت فيما جنودها يسقطون صرعى يوماً بعد الآخر، ليأتي يوم الرحيل الذي صدم عملاء واشنطن ليس في كابول فقط، بل في جميع العواصم التي فيها عملاء للولايات المتحدة، كونهم اقتنعوا بأن مصيرهم سيكون مؤلماً وأن الجيش الأمريكي سيتخلى عنهم ويتركهم يواجهون مصيرهم.
القوات الأمريكية أعادت بخروجها خروج يهود بني قريظة من المدينة المنورة حين خربوا ديارهم حتى لا يستفيد منها المسلمين، وفي مطار كابول تكرر المشهد حين دمرت القوات الأمريكية ثلاثة أرباع المطار والتكنولوجيا المستخدمة، مما أدى إلى تدخل عاجل من فرق الصيانة القطرية لعلها تنقذ الموقف ويعود مطار حامد كرازاي للعمل من جديد، والمصيبة أن الجنود غادروا تاركين أربع طائرات فقط قادرة على العمل لمدة سنتين، مما يعني ان حركة الملاحة الجوية الحكومية تحتاج إلى بناء من جديد، وبالتالي فإن ما بنته القوات الأمريكية قامت بتدميره وتركت المطار كما احتلته قبل عشرين عاماً، لينطبق عليهم قول الله تعالى "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ".
ما قامت به الولايات المتحدة يثبت رسوخ العقلية الصهيونية في فكر قيادات الجيش، التي رفضت أن تترك مقومات الحياة في بلد يحتاج للدعم من جميع الجهات، بعد أن نهبت الولايات المتحدة المواد الخام وصنعت العنف والقتل الشرس ونشرته في شتى البقاع، مما يعني أن أفغانستان تحتاج لسنوات طوال حتى تعالج جراحها النازفة قبل أن تقف على قدميها من جديد، هذا قبل أن تكتشف طالبان والشعب الأفغاني ما خلف الإحتلال الأمريكي من دمار في مناطق أخرى ستظهر للعلن في الايام القادمة، ونتوقع أن يكون الدمار شاملاً في البنية التحيتة والصناعية والتعليمية، ليفوق حجم الخراب والدمار حجم ما خلفته قنبلتي هورشيما ونجازاكي النوويتين في اليابان.
هذا الإجرام سيبقى مغطى بطرق الإتصال التي تسعى الولايات المتحدة لإبقائها مفتوحة مع طالبان، وربما من أجل المزيد من عمليات النهب في أفغانستان، فالضمير الأمريكي الذي شن الحرب بسبب كذبة لن يصحو من جديد كونه اعتاد على أن يكون غائباً ناسياً جرائمة المتعددة والتي تعتبر الأسوء في تاريخ البشرية، حيث قتل اكثر من مليوني مواطن في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن، بحجة مكافحة الإرهاب ليظهر في نهاية الأمر أن هناك في العالم إرهاب واحد تصنعه وتقوده الولايات المتحدة، لفرض سيطرتها بنشر الرعب على العالم أجمع ليبقى دولارها القاضي والجلاد على دول وشعوب رفعت راسها مطالبة بإسقاط الدولار.