عبيد العصر

اخبار البلد - 

 

كان عِندَ جَدِّي رحِمَه الله عَبدًا، يرعَى لَهُ الغنمَ، وفي يومٍ من الأيَّام قالَ جدِّي للعبدِ: اذهبْ فأنتَ حُرٌّ لوجهِ اللهِ،بَعدَ مُضِيِّ شهرٍ تقريبًا، عادَ الرَّاعي لجدِّي يَرجوهُ أَنْ يُرْجِعَهُ للعيشِ عندَهُ كما كان.

هكذا شأنُ العبيدِ، تعوَّدوا حياة العُبوديَّة، وكما قالَتْ مُحرِّرَةُ العبيد في أمريكا (هاريت توبمان): لقد حرَّرتُ ألفَ عبدٍ، وكان بِإمكاني تحريرُ ألفِ عبدٍ آخر لو أنَّهم عرَفوا فقط أنَّهم عبيدًا.

فمن تَعوَّدَ العُبوديَّة يَصْعُبُ عليهِ عيشُ الحرِيَّةِ.

وكما قالَ أفلاطون: لو أَمطرَتِ السَّماء حُرِّيَّةً، لرأيْتُ بعض العبيد يحملون مِظَّلات.....للعُبوديَّةِ أشْكالٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنها: عبوديَّةُ الشَّهواتِ وعُبوديَّةُ المال وَالمَتاعِ،.... إلخ.

وهناكَ عبيدٌ للسَّادةِ والكُبرَاءِ، ومَا أَكثرَ هذا النَّوع منَ العبيد في عصرِنَا الحاضرِ.

هؤلاءِ العَبيدُ مسلوبو الحُريَّة والإرادة والكرامة، وليس لهمْ نصيبٌ من الحياة سِوى مرضاةِ أَسيادِهم وتحقيقِ رغبَاتِهم ونَزواتِهم.

تجدِهُمْ دائمًا يدافعونَ عن أفكارِ سادتهم وَأفعالهمْ مهمَا بلَغَت مِنَ السُّوءِ والشرِّ.

عبيد العصرِ لا رأيَ لهُم ولا مَبدأَ سِوى التَّغريد معَ أسيادهم، فهم إمَّعة وتَبَعٌ لهم وفقَ المَثلِ: (مع الخيل يا شقرا).

والمُعضلة معَ هؤلاء العبيدِ هيَ كيفيَّة إقناعِهم بأنَّهم عبيد، - كما قالت توبمان- ،بل تجِدَ العبدَ منهم إذا هلَكَ سيِّدُه انتقل إلى سيِّدٍ آخر لِيقضيَ بقيَّة حياتِه في رقّ العبوديَّة.

وهناك نوعٌ آخر منَ العبوديَّةِ وهوَ منتشر بين فئةٍ من البشر، ألا وهوَ: عبوديَّة هوى النَّفس، ومن أبرز معالِمه، تقديم هوى النفس على شرع الله حال التَّعارضِ بينهما، فتجدُ الشَّخصَ تَبعًا لهواه لاسِيَما عندَ المنازعات والخِلافات.

ولو أدرك هؤلاء قولَ الله سبحانه وتعالى لنبيِّه داوود عليهِ السَّلامُ: ( ولا تَتَّبِع الهوى فيضلّك عن سبيلِ الله)، لأدركوا خطورةَ الأمر.

في الختام نسأل الله العليَّ القدير أن يطَهِّر قلوبنا من كُلِّ عبوديَّة لغير الله، وأن يجعلَنا مِمَّن يعمل بِقولِه تعالى:(إيَّاكَ نَعبدُ وإيَّاك نستعينُ) .

اللَّهُمَّ آمين يا ربَّ العالمين...