دراسة “نزلاء السجون” تدق ناقوس خطر

أخبار البلد ـ وُجدت الدراسات، أيًا كانت، سواء رسمية أو خاصة، تتبع لمؤسسات ومراكز وهيئات مستقلة، للكشف عن بواطن خلل، أو مناطق ضعف، أو قرارات غير صائبة، تضر بالصالح العام، وفي نفس الوقت للأخذ بها وبالتوصيات التي تخرج منها، وبالتالي وضع حلول للقضاء على مشكلة ما أو قضية معينة، وخصوصًا إذا ما كانت مفصلية.
وزارة العدل، كشفت عن نتائج دراسة أجرتها، مؤخرًا، على قرابة 700 نزيل ونزيلة في خمسة مراكز للإصلاح والتأهيل، في مختلف مناطق المملكة، حول أسباب تكرار الجرائم، عن وجود أكثر من خاصرة «رخوة»، أسبابها مرتبطة مع بعضها بعضا، وتقع مسؤوليتها على أكثر من جهة حكومية، وقبل ذلك «مكرر الجريمة» نفسه.
أهم ثلاث نتائج، خرجت بها تلك الدراسة، وجميعها مرتبط فيما بينها بشكل وثيق، وكأنها تصب في نفس الهدف، وسببها واحد لا ثاني له، النتيجة الأولى هي «أن 30 بالمائة من مكرري الجرائم، يفضلون العودة للسجون، بحثًا عن لقمة عيش وعلاج مجاني»، أما الثانية فتتمثل بأن «36.4 بالمائة يعزون سبب التكرار لعدم توفر مكان للإقامة أو مأوى لهم خارج مراكز الإصلاح»، في حين تُشير الثالثة إلى «أن 50.4 بالمائة يؤكدون أن عدم توفر فرص عمل لهم خارج السجون، كان سببًا رئيسًا لعودتهم إلى الجريمة».
المُلاحظ من هذه النتائج، بشكل لا غُبار عليه، هو أن هناك أناسا جوعى، أو بمعنى أصح، لا يقدرون على تأمين طعام يكفيهم أو حتى لقمة عيش،
وما يدل على ذلك ويؤكده، وجود نحو ثُلث نزلاء السجون، يلجأون للجرائم لسبب واحد فقط، ألا وهو الحصول على طعام وعلاج، وأكثر من الثُلث يُقدمون على فعل غير قانوني لتأمين مأوى، وأكثر من النصف يكررون الجرائم لأنهم لا يجدون عملًا يقتاتون منه وأسرهم.
ما يدعو للسخرية والضحك والبكاء في الوقت نفسه، هو أن تلك الأسباب مجتمعة (الطعام والعلاج والمأوى والعمل)، ضمنتها أو كفلتها كل القوانين والدساتير الدولية، ومن قبلها الديانات السماوية.
لقد كُتب الكثير من المقالات، وأُجريت العديد من الدراسات والأبحاث، التي تؤشر على خلل حكومي واضح في توفير الطعام المناسب وتأمين علاج صحي ومأوى جيد، للأردنيين، وليس هناك وجود داع لتكرار مثل ذلك في هذه الكلمات.. لكن يجب أن تقوم الجهات المسؤولة بدراسة تلك النتائج بشكل عميق وجدي، ومن ثم الخروج بحلول أكثر جدية وواقعية وقابلة للتطبيق على أرض الواقع.
إن النسبة التي تحدثت عنها دراسة وزارة العدل، تدق ناقوس الخطر، في حال لم يتم معالجتها، بطرق علمية عملية، فالأمر سيعود بالنفع على أكثر من جهة حكومية، وكذلك الأمن المجتمعي، ومن قبله المواطن، سواء ذلك الذي يتمتع بالحرية، أو الذي قضى فترة من الوقت في السجن.
الموضوع، عبارة عن حلقة متكاملة، فعند تأمين لقمة عيش لذلك الذي ارتكب فعلًا غير قانوني، فإننا نكون قد حققنا أكثر من هدف، فمن ناحية نضمن ألا يعود هذا الشخص لارتكاب أي نوع من الجرائم، وبالتالي نُحقق نفعًا عامًا، أهمه الأمن والأمان في المجتمع ككل، فيصبح كل مواطن آمن في بيته ومكان عمله وكذلك مكان تنزهه أو لهوه.
ومن ناحية ثانية نضمن عدم اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل، وهنا نُحقق أكثر من هدف، منها: التخفيف من الضغط والتعب والجهد الذي يقع على رجال الأمن العام، وبالتحديد أولئك الذين يخدمون في مصالح السجون، وتخفيض كلفة فاتورة النزلاء الشهرية، والتي تتكبدها خزينة الدولة، وتصل إلى أرقام غير طبيعية، نحن في غنى عنها، بالإضافة إلى المحافظة على صحة ما تبقى من نزلاء، كعدم إصابتهم بأمراض، وخاصة المعدية منها، جراء الاكتظاظ.
ومن ناحية ثالثة، تُحقق الجهات الحكومية المعنية، المغزى أو الهدف الذي وُجدت من أجله، وذلك من خلال توفير فرص عمل أو إيجاد مأوى أو تأمين علاج للمرضى… وما ينطبق على آثار النتيجة الأولى من نتائج الدراسة، ينطبق أيضًا على النتيجتين الأخريين.