“خليلي يا عنب”.. تفاصيل الحكاية وفصولها؛ قطوف تتدلّى
أخبار البلد -
قالها الشاعر الفلسطيني عز الدين مناصرة: يا عنب الخليل الحر..لا تثمر، وإن أثمرت كن سمّا على الأعداء ..كن علقما” … شاءت الأقدار أن يرحل الشاعر وتبقى القصيدة، ويبقى العنب شاهدا على حكاية تتعدد فصولها بتعدد أصناف العنب ومذاقه، لكن القاسم المشترك يظل هو الأرض والهوية، وسط مقولة” خليلي يا عنب” التي يتردد صداها على مفترقات الطرق وفي أسواق خضار فلسطين أو ما يتعارف عليه”الحسبة” وهي مكان بيع الخضار والفواكه، ففي تموز وآب وأيلول ..وربما امتد الأمر إلى ما بعد هذا الحد، يسجّل العنب حضوره وكأنه طوفان ومد.
عنب الخليل تماما كمشمش جفنا، وخس إرطاس، وصبر تل، وباذنجان بتير، وتمر أريحا وملوخيتها وموزها، يقترن بالموسم وبالمكان، ليغدو كما تلك المنتجات الزراعية كلها رمز من رموز هويّة، وكأن الحكاية تتلخص في وتلخص ما قاله إبراهيم طوقان منذ عقود:
أعداؤنا منذ أن كانوا (صيـــــــارفة)— ونحن منذ هـــبطنا الأرض زرّاع
وللبيت دلالاته بل لكل مفردة فيه دلالاتها الخصبة خصب سهل مرج ابن عامر، وكرم كروم جبال حلحول وبيت أمر ومنطقة البقعة في مدينة الخليل التي تجود كلها بالعنب وكأنها ترسّخ كرما حاتميا، فما أشهر أنواع العنب الخليلي؟ هذا ما نتعرف إليه بالكلمة وبالصورة في موسم العنب، والخليل تتأهب عبر حلحول لتنظيم نسخة جديدة من نسخ مهرجان العنب الفلسطيني الذي توارى عن المشهد العام المنصرم بسبب تداعيات جائحة كورونا لكنه يعود هذا العام – حسب مصادر غرفة تجارة وصناعة شمال الخليل- وسط ترقّب المنتظرين من كل بقاع فلسطين حيث يؤم المهرجان زائرون من فلسطين الضفة والداخل المحتل، وقد مثّل غياب المهرجان الموسم الماضي لطمة للمنتظرين الذين يراودهم حنين لانعقاده يوازي حنين الأرض اليباب إلى قهقهة الرعود.
في مهرجان العنب..قبل أعوام خلت؛ استوقفتنا الصورة، يحنو على قطوفه كما تحنو الأم على وليدها، وكأنه والأرض توأمان، تداخل وريده بوريدها، أي نظرة عز وفخار!! وأي حكاية تلخصها الصورة!
ونقلا عن مديرية زراعة الخليل؛ فإن أصناف العنب في الخليل وفلسطين تتمثل في:
أولا- الأصناف البيضاء:
1. الدابوقي (البلدي): متوسط النضج، من أكثر الأصناف انتشارا في فلسطين وأكثرها استخداما كعنب مائدة، وعصير وعمل الزبيب والملبن والمربى، وأكثر ملاءمة للظروف البيئية المحلية.
2. الجندلي: ثماره كروية متراصة صغيرة الحجم نسبيا وبذوره قليلة، شجرته تشبه الدابوقي، ولون ثماره أصفر قليلا، متأخر النضج متوسط الانتشار عناقيده الثمرية مستطيلة ذات أكتاف طويلة.
3. الزيني: ثماره مستطيلة بيضاء مصفرة ذات قشرة متوسطة السمك وذات لب عصيري متوسط القوام، متوسط النضج واسع الانتشار، يشبه الدابوقي إلى حد كبير.
4. البيروتي: ثماره كبيرة الحجم كروية إلى مستطيلة الشكل ذات لون أبيض شمعي وجلدتها سميكة، متوسط النضج واسع الانتشار أشجاره قوية، الأوراق ناعمة الملمس من السطحين.
5. الحمداني: ثماره مستديرة صغيرة وذات قشرة أكثر سمكا من ثمار الدابوقي، ونسبة اللب بها عالية، متأخر النضج، متوسط الانتشار، عناقيده الثمرية مخروطية الشكل مائلة إلى الاستطالة.
6. المراوي: متأخر النضج، متوسط الانتشار يشبه الحمداني من حيث شكل الثمار وسمك قشرتها ومحتواها من اللب والعصير وعدد البذور، عناقيده متوسطة إلى كبيرة الحجم متناسقة الشكل والحجم.
7. السلطي الخضاري: ثماره مستديرة الى بيضاوية كبيرة الحجم ولونها يميل للخضرة، متوسط النضج ومتوسط الانتشار يشبه الدابوقي عناقيده الثمرية أكثر تناسقاً في الشكل والحجم.
ثانيا. الأصناف الملونة- ومن أشهرها:
1. الحلواني: الثمار كبيرة مستديرة حمراء اللون، قشرتها رقيقة إلى متوسطة السمك، اللب لحمي متماسك والبذور صغيرة، وهو صنف ممتاز مرغوب محليا.
2.البلوطي : الثمار سوداء اللون باذنجاني الشكل حلاوتها عالية ويمكن تأخير هذا الصنف على الأشجار، أشجاره عادية ناعمة الورق رهيفة حساسة للأمراض، والثمار سهلة الفرط من العنقود.
3. البيتوني: الثمار سوداء بها عدد من البذور كروية إلى متطاولة الشكل، اللب صلب القوام حلاوتها عالية، متوسط النضج، واسع الانتشار إلا أنه يمكن تأخيره، يشبه البلوطي في مواصفاته.
4.الشامي: ثماره كروية الشكل كبيرة الحجم، العنقود كبير الحجم كثيف إلى متوسط الكثافة، القشرة سميكة، وهو صنف متأخر النضج واسع الانتشار قوي النمو غزير الإنتاج، من الأصناف السوداء المرغوبة في السوق لارتفاع منسوبها من السكر.
5.الدراويشي (الشيوخي): الثمار مستطيلة ونسبة اللب بها عالية، عناقيده كبيرة متزاحمة الثمار, قشرة الثمرة سميكة مغطاة بطبقة شمعية تعطيها بعض اللمعان, مبكر النضج متوسط الانتشار.
استثمار العنب لإنتاج منتجات غذائية:
تتم الإفادة من العنب في تصنيع الزبيب وهو عنب مجفف، والملبن، والدبس، وما يطلق عليه الشدّة والعنبية وغيرها من المنتجات التي يتواصل حضورها على مدار العام، ويكثر استهلاكها في الشتاء ربما لأن هذه المنتجات تمدّ من يتناولها بالطاقة.
الزبيب: حلوى الشتاء
الدبس الخليلي…. حلو المذاق
الملبن … أحد منتجات العنب
وبعد؛ تتجدد المواسم، ويظل العنب الخليلي عابرا للزمان على أمل أن تزال عوائق التصدير التي يفرضها الاحتلال ليكون العنب عابرا للمكان، فجموع المغتربين الذواقّة تواقّة لتذوق عنب طاب مذاقه، ونختم بما قاله شاعرنا الراحل عز الدين مناصرة:
عنبٌ دابوقيٌ كرحيق النحل على يافطةٍ بيضاء
عنب دابوقيّ يتدلّى من عُبّ الدالية كقرط الماسْ
عنب دابوقيٌ لا يشبهه أحدٌ ﻓﻲ الناس
عنب دابوقيٌ يصهل مثل مغنية خضراء
عنب دابوقيٌ يتمدد كامرأةٍ ﻓﻲ شمس المسطاح.
الملبن كالزبدة كالشهوة ﻓﻲ الخلْوة مثل ندى التين،
عنب دابوقيّ من جبل الشيخ يناديني:
من جبل الشيخ … أيا بَرَّادْ
من دمع كروم الكنعانيين، صلاة الأسياد ….
بقي أن نشير إلى أن فلسطين تتميز بتخصص الأماكن في إنتاج بعض المحاصيل، فالعنب خليلي، والجوافة قلقيلية، ولأريحا الموز والتمر والملوخية، والخسّ من إرطاس التلحمية، ومن سهل مرج ابن عامر في جنين البطاطا والبطيخ، ولا ننسى يافا ببرتقالها، وأجود أنواع التين من تل النابلسية، مرورا بالليمون الكرمي، والزيتون السلفيتي، وفقوس دير بلوط، ومشمش جفنا، حيث تقام مهرجانات لبعضها كما هو الحال للمشمش والفقوس والخس والعنب والتين، في أرض باركها الله وأقسم ببعض ما تجود به أرضها: "والتين والزيتون وطور سنين”.
في الختام؛ بعض هذه المحاصيل يجد حضوره في التعبيرات الشعبية؛ فالغاضب يعبر عن وصوله قمة الغضب بقوله: (واصلة معي أبو موزة)، والمحبط يقول (أكلنا بطيخ)، وفاقد الأمل بتحقق شيء مستحيل يقول: (في المشمش)، والواصل إلى درجة عالية من الإحباط يصف حاله ك( التين في الفردة)، حتى أن تغلغل تسميات المحاصيل وتحديدا العنب وصل تسميات بعض المناطق، فثمة حي في الخليل اسمه أم الدالية، وفي الجليل توجد بلدة دالية الكرمل، وهناك عائلات الدابوقي والحلواني وكلاهما من أسماء بعض أصناف العنب، وللحديث دوما بقية.