فوجئنا يوم الخميس الموافق 1/12/2011 بافتتاحية يديعوت احرونوت الإسرائيلية التي تخاطب فيها جلالة الملك عبد الله الثاني وتقول له "انك ستشاهد دولة فلسطين قريبا في الاردن" وقدمت الصحيفة جملة من الافتراءات التاريخية والجغرافية والديمغرافية.
ويربط مطلع المقال بين إقامة الدولة العبرية وما مر به اليهود من اظطهاد وفي ذلك افتراء على وقائع التاريخ، ولا يخفى على احد التلاعب العاطفي الذي وظفه المقال للتأثير على القراء بشكل عام وعلى غير الملمين بحقائق الجغرافيا والتاريخ بشكل خاص. فهناك شعوب مرت بمحن أشد وطأة ومذابح بشعة لم يعرفها التاريخ من قبل، ونذكر على سبيل المثال لا الحصرمعاناة الأرمن والأكراد والفلسطينيين وهي شعوب تمتلك من مقومات القومية أكثر بكثير من المزاعم الصهيونية المكشوفة، وهم بهذه المعنى شعوب أكثر حقا في تقرير مصيرهم وإقامة دولة على ترابهم الوطني إسوة بغيرهم من سائر شعوب البسيطة. ولدحض هذه الافتراءات والمزاعم نسوق جملة من الحقائق.
أولا، لا يشكل اليهود قومية واحدة، فقد انتشروا في اصقاع العالم المختلفة بحيث لا يتجاوز عددهم الآن أكثر من خمسة عشر مليون نسمة في عالم يقطنة ما يقارب من سبعة مليار نسمة. ولم يحدث في التاريخ أن ربط شعب بين ديانته وقوميته كما فعل اليهود عندما اعتبروا مخطئين الدين اساس لقومية ناشئة متأثرين بعصر القوميات الذي اجتاح القارة الاوروبية في القرن الثامن عشر. وفي وقت يجمع فيه علماء التاريخ والاجتماع والسياسة بأن الدين لا يمكن أن يكون أساس لأي قومية بعينها فإن الاصرار اليهودي على الربط بين الدين والقومية ينبع من فكرة توسعية احلالية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وهي فكرة ارتبطت بمصالح الغرب الامبريالي.
ثانيا، حتى يتمكن اليهود من اقامة دولة لهم ارتكبوا في سبيل ذلك مجازر وتطهير عرقي كتب عنه المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابيه عندما حمّل الصهيونية مسؤولية التطهير العرقي الذي حل بالشعب الفلسطيني. فتاريخ إسرائيل والعصابات اليهودية هو تاريخ حافل بالمجازر والمذابح الموثقة في كتب التاريخ الرزينة. فالارهاب الصهيوني بدأ منذ اللحظة الأولى لدخولهم فلسطين، فبعد أن رفض السلطان عبدالحميد بيع فلسطين لليهود مقابل مبلغ خيالي وصل إلى 150 مليون ليرة ذهبية بريطانية، حيكت المؤامرات للاطاحة بالسلطان وهو ما قامت به جمعية جون ترك بمساعدة يهودية خبيثة. وعندها بدأت التنفيذ الفعلي للمخططات الصهيونية وما استلزم ذلك من تقتيل وتشريد للشعب الفلسطيني بتحالف مع بريطانيا التي اوجدت موطئ قدم للحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة على ارض فلسطين، وتم تسهيل اعمالها العدوانية قبيل الانتداب البريطاني عبر اتفاقيات كامبل في العام 1905 واتفاقية سايكس بيكو في العام 1916 وصولا الى وعد بلفور في العام 1917، وارتفعت وتيرة المجازر والحشد الصهيوني في فلسطين وصولا الى قرار الامم المتحدة بتقسيم فلسطين في العام 1947، وحصول الصهاينة على 56% من الارض الفلسطينية و 43% للفلسطينيين و1% هي القدس وضواحيها تبقى تحت الانتداب البريطاني.
ان الحقائق التاريخية الواردة لايمكن التشكيك بها والتي تؤكد ان اسرائيل قامت على ارض فلسطين التاريخية حسب القرارات والاتفاقيات الدولية حتى قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة الذي يقر ويعترف ان الارض هي ارض فلسطينية، وهنا نذكّر يديعوت احرونوت ان الاردن الذي كان تاريخيا يسمى " شرق الاردن" اصبح امارة شرق الاردن في العام 1921 وان الاردنيين هم سكان الاردن منذ فجر التاريخ ومملكة الانباط الذين شيدوا دولتهم وعاصمتها المنيعة البتراء. فالاردنيون شعب يرتبط بارضه، والفلسطينيون شعب يرتبط بأرض نسبوا اليها ونسبت لهم عبر التاريخ القديم والجديد على حد سواء، اما الاسرائيليون فهم تجمع لثقافة دينية من شعوب وامم مختلفة تفرقهم اللغات والعادات والتقاليد والمستويات الاجتماعية والاقتصادية، ويجتمعون على حب المال والدين والتعالي على الشعوب والامم وينطلقون من المفهوم العدائي والمتعجرف " جوهيم" غير الانساني وغير الاخلاقي الذي يعتبر ان جميع من على الارض خلق لخدمتهم بدون شكر.
ثالثا، وبالعودة الى التذكير بمقولة بن غوريون الذي لم يرسم حدودا لدولته المزعومة فهذا صحيح " مع تغيير المعنى" لانه كان يعلم جيدا ان الجالية اليهودية صغيرة جدا في وسط ديمغرافي فلسطيني وعربي لا قبل لليهود بهم تاريخيا وحاضرا ومستقبلا. وقد ترك مسألة الحدود تخضع للمعايير والموازين والتطورات والاحداث في المنطقة. وهنا اذا استمرت الامة العربية في سباتها واستمر الصهاينة بالسيطرة الاقتصادية عالميا، فان الحدود الاسرائيلية قابلة للتوسع، واما اذا فاقت الشعوب العربية من سباتها عندها ستقبل الصهيونية الواقع الجديد وتتراجع الى الوراء وتكتفي بأي مساحة تفرض عليها.
رابعا، ان التعريف اللغوي حسب الادبيات العالمية قديما وحديثا لكلمة الغزو او الاحتلال يشير الى انه عمل عدواني بهدف الاستيلاء على حقوق الغير بشكل مؤقت أو بشكل مستمر. وبالتالي فان يديعوت احرنوت تعترف بعدوانية رئيس الوزراء الاسبق بن غوريون ومخططاته العدوانية في الاستيلاء على اراضي الغير وسلب حقوقهم الوطنية في غياب القانون الدولي، وهذا نهج وشريعة قطاع الطرق والعصابات الذين يشرعنوا الاحتلال واغتصاب الحقوق لتحقيق منافع توسعية ضمن مفهوم " الجوهيم" العقيم والمنبوذ من شعوب الارض.
خامسا، كيف تعطي يديعوت أحرنوت الحق لنفسها في تسميم افكار الراي العام بتزوير الحقائق التي ما زالت ماثلة امام جيلنا الذي شهد وشاهد القسم الاكبر من الحروب العدوانية الاسرائيلية وجرائم الصهيونية المدعومة بالالة العسكرية الغربية التي مكنتها من السيطرة على جزء عزيز علينا من المنطقة، وهنا فان ايه جهود توسعية انتهت بعد الخامس من حزيران من العام 1967، حيث تم وقف اي توسع اسرائيلي جديد كما حدث في معركة الكرامة اذار 1968، وحرب رمضان 1973 وهزيمة اسرائيل امام حزب الله في العام 2006 ، الامر الذي دفع القيادة الصهيونية في تل ابيب إلى تغير سياساتها العدوانية، والاعتماد على اصدقائها لتحقيق اهدافها باساليب جديدة ، وعقد تحالفات جديدة،. فالصهاينة يحاولون اعادة رسم التاريخ بصيغ جديدة وبنفس الاهداف العدوانية المعتادة. وبنفس الاسلوب القديم الذي تحالفت فيه مع بريطانيا لتهيئة الاجواء للسيطرة على شعوب المنطقة وهذا ما تعترف به يديعوت جملة وتفصيلا عندما قالت " البريطانيون" انهو مهمتهم في العام 1948 .... وهذا دليل قاطع على ان الاسرائيليين كانوا وما زالوا يعتمدون على طرف ثالث او اكثر لتنفيذ مخططاتهم العدوانية .
سادسا، نعم ان الشعب الاردني هو نسيج متجانس يضم القبائل والفلاحين والمدن الاردنية العريقة منذ فترة ما قبل الرومان، وتنامى عدد سكانه عبر التاريخ، كما استضاف المهاجرين الفلسطينيين الذين هجروا من أرضهم وبيوتهم تحت وطأة المجازر الصهيونية. ومع كل ذلك، يتطلع المهاجرون الفلسطينيون في الاردن كما في الدول العربية دوما الى حقوقهم في مقدمتها حق العودة وهو حق غير قابل للتصرف واقرته الشرعية الدولية بدءا من قرار الامم المتحدة رقم 194 الذي يجسد هذا الحق للشعب الفلسطيني.
سابعا، اما ملوك الاردن، فهم احفاد رسول الامة، وقد بنوا وقادوا الدولة الاردنية الحديثة، والتفاف الشعب الاردني بأطيافه المختلفة حول ال هاشم ليس بالجديد، فالعقد الاجتماعي والسياسي الذي ابرمه الاردنيون منذ تسعة عقود مكّن الشعب الاردني بقيادته بناء دولة عصرية ديمقراطية حافظت على حقوق الشعب وصيانة مكتسباته في زمن حافل بالصراعات والانقلابات والاضطرابات من جه وعدو يتربص بالمنطقة وشعوبها لتوسيع رقعته باحتلال ارضي الغير من جهة اخرى، ومعركة الكرامة في اذار من العام 1968 والاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 خير شاهد على ذلك.
ثامنا، اذا كانت الصحيفة تعتبر ان اتفاقيات السلام بدءا من وادي عربة واوسلو وغيرهما وإذا كانت مقولة الارض مقابل السلام هي مضيعة للوقت فان هذا اعتراف بان اليهود تاريخيا لاعهد لهم ولامواثيق، فكيف لنا نحن الشعوب والامة العربية- مسلمون ومسيحيون- ان نحترم ما لايحترمه الجانب الاخر؟! وهنا نتسائل هل في مصلحة الاسرائيليين العودة الى المربع رقم واحد في الصراع العربي الاسرائيلي؟! وهنا نذكر الاسرائيليين بما لم ينسوه ما حصل في مجريات في العام 2006 وانتصار حزب الله على الالة العسكرية الاسرائيلية مجتمعة مع كل من ناصرها.
تاسعا، نتسائل في هذا المقال الذي فندناه ما هو إلا جزء بسيط مما تحفل به الذاكرة والتاريخ الحديث للامتين العربية والاسلامية حيال احلام التوسع الصهيوني التي هرمت وتجاوزها الزمن. فهل اموال اللوبي الصهيوني ما زالت قادرة على شراء ذمم بعض القوى العالمية وتوظيفها لان تكون سلاحا ترفعه اسرائيل لتنفيذ مخططاتها التوسعية؟. وهل صحيح ان الشعوب العربية حاليا- كما كان في اوائل القرن الماضي- لتسمح باجتياحات صهيونية جديدة في الاراضي العربية؟، وهل صحيح ان المشهد الصهيوني القديم وبروتوكولات حكماء صهيون هي قابلة للتطبيق اليوم مع كل مافي العالم من تحديث وتغير جذري في الفكر والعقيدة والممارسة؟ ان الافعال الصهيونية وما يسمى باسرائيل قد تجاوزها الزمن وان الاردن هو الاردن للاردنيين، وان إسرائيل هي فلسطين للفلسطينيين، وان على القيادة الاسرائيلية بيمينها ويسارها ان تقبل ذلك وتتعامل معه والا فان "تنبوءات" بن غوريون بتصغير رقعة التواجد الاسرائيلي ستتحقق على ارض الواقع بوعي وجهود الشعوب العربية واقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني تاريخيا وجغرافيا.
رئيس حزب الإتحاد الوطني الاردني
يرد على مزاعم يديعوت أحرنوت