التعليم من زاوية اقتصادية

أخبار البلد ـ مع نشر هذه المقالة، تكون نتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) قد أعلنت، وبدأت رحلة بحث الطلبة وأسرهم عن التخصصات التي يرغبون في دراستها وامتهانها في المستقبل.
وهذه مناسبة لإعادة تأكيد مجموعة من الحقائق والآراء المرتبطة بمسارات التعليم وارتباطه بتطور الاقتصاد الأردني وسوق العمل والتحديات الكبيرة التي يعانيها. وليس جديدا على المشتغلين في شؤون الاقتصاد الوطني وتحدياته، القول إن منظومة التعليم في الأردن هي أحد الأسباب الرئيسة في الارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة بعامة وبين الشباب والشابات بخاصة.
كما يحدث كل عام، فإن ما يزيد قليلا على نصف الطلبة المتقدمين لامتحان الثانوية العامة يفلحون في اجتيازه، والباقي يبدأون التفكير في خياراتهم، التي تنحصر في إعادة الامتحان أو بعض مواده، وبعضهم الآخر يبدأ التفكير في التدرب على مهنة، إما في أحد معاهد مؤسسة التدريب المهني، أو أي مؤسسة تعليمية أخرى، وجزء آخر يلتحق بسوق العمل في أي مهنة بسيطة متاحة "عمالة غير ماهرة”.
أما غالبية الخريجين فيلتحقون بالجامعات بمختلف أنواعها، الحكومية والخاصة، والقليل منهم يلتحقون بالتعليم المتوسط. واللافت في هذا الشأن أن منظومة التعليم هذه تسير بعكس ما تسير عليه الدول المتقدمة، التي لا تتجاوز معدلات البطالة فيها 5 بالمائة؛ حيث إن غالبية الوظائف التي تستحدث في مختلف الاقتصادات العالمية، ومنها الاقتصاد الأردني، بحاجة إلى تعليم متوسط ومهني بمختلف الفروع التقنية.
هرم التعليم في الدول المتقدمة يقوم على تشجيع الطلبة على الالتحاق بالتعليم المتوسط والمهني من خلال توفير المنح والحوافز ودعم فرص العمل اللائقة للخريجين، بينما يلتحق القلة بالتعليم الجامعي، أما هنا في الأردن فإن الغالبية يلتحقون بالجامعات وقلة يلتحقون بالتعليم المتوسط والفني والمهني، لدرجة أن لدينا في الوقت الراهن ما يقارب 300 ألف طالب وطالبة يدرسون في الجامعات، بينما لدينا فقط ما يقارب 30 ألفا يدرسون في المعاهد المتوسطة والتدريب المهني.
يأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه معدلات البطالة بين الجامعيين (بكالوريوس فأعلى) إلى 80 بالمائة بين الإناث، و25 بالمائة بين الذكور، وهذه أرقام كبيرة تحتاج لوقفة والسؤال عن جدوى التعليم الجامعي وبخاصة في التخصصات الراكدة، والمؤشرات تفيد بأن غالبية الجامعيين من الجنسين يعملون في وظائف لا تحتاج إلى تأهيل جامعي.
المشكلة أن معظم صناع السياسات يدركون ذلك، ولكن نفوذ (لوبي) أصحاب الجامعات يدفع باتجاه التحاق أكبر عدد ممكن من الشباب والشابات للالتحاق بالجامعات لغايات مادية بحتة، تخرج عشرات الآلاف من الطلبة الذين لا يتمتعون بالحدود الدنيا من المعارف والمهارات التي يجب أن يكتسبوها عند تخرجهم، دون النظر في النتائج الكارثية لهذا المسار.
الحق في التعليم لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع توفير الحكومة مسارات تعليم ما بعد الأساسي، لتوفير أيد عاملة ماهرة تدعم الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته وأنشطته، وتؤمن فرص عمل لائقة وأجورا تمكن العاملين والعاملات من الحياة الكريمة لهم ولأسرهم. ولا يعني ذلك أن هؤلاء لا يمكنهم التوجه لاستكمال دراساتهم الجامعية وتطوير قدراتهم التعليمية بعد أن يكونوا اكتسبوا خبرات عملية ومهنية تعظم قدراتهم.
حاجات سوق العمل في الأردن من الأيدي العاملة واضحة وضوح الشمس للجميع، والعديد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية عطشى للأيدي العاملة الماهرة -رغم ما يعانيه الاقتصاد الوطني من تحديات، وكل ما هو مطلوب اتخاذ قرار يخدم مصالح غالبية المواطنين وليس فئة محدودة منهم.
المطلوب تطوير مسارات تدريبية متوسطة ومهنية بكلف منخفضة ومجانية لتشجيع شبابنا وشاباتنا على الالتحاق بها، ومطلوب دعم مؤسسة التدريب المهني لتعزيز قدراتها الاستيعابية والفنية، فهي منتشرة في مختلف مناطق المملكة، ومطلوب التوسع في التخصصات التي يحتاجها سوق العمل الأردني، ومطلوب كذلك ضبط سوق العمل بحيث تتحسن جودة الوظائف من حيث الأجور والحمايات الاجتماعية لنشجع شبابنا وشاباتنا على الالتحاق بها.
استمرار الأوضاع على ما هي عليه، يقودنا إلى مستويات من البطالة لا أعتقد أننا نستطيع تحملها، وستصل شرائح اجتماعية إلى مستويات من الفقر يصعب الخروج منها، إلا أنه ما يزال أمامنا فرصة؛ فهل نغتنمها؟