في الذكرى الاولى على وفاة الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي رحلت بصمت.. فما اصعب الغياب

أخبار البلد-

 


مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )
صدق الله العظيم ولاحول ولاقوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون ....

لم يكن الغياب يوماً إلا صعباً... ولم يكن الفقد يوماً إلا قاسياً.
إن للموتى وللراحلين رنيناً في الذاكرة ... يصدح عند تذكر أسمائهم...نستشعرهم بحواسنا... ونكاد أن نبصرهم في كل الأماكن... فرحم الله بسمة لا تنسى منهم ... وملامح لا تغيب عن البال... وحديثاً اشتقنا لسماعه...

نودعك استاذنا ابا انس وتنحني قامتنا وكبريائنا احتراما وتقديرا لمقامك الرفيع.

كنت واحدا من جيل العلماء الأساتذة المؤمنين برسالة العطاء اللا محدود، الناكرين للذات، من ذلك الزمن الجميل.
أستاذنا جميعا.ً.
فقد فارقت الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة، ومشوار حياة من العمل المخلص، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وميراثاً خالداً من العلم والقيم والمثل النبيلة.

لقد رحل شيخنا الجليل.....

هو حالة فريدة من دماثة الاخلاق، وحسن المعشر، وطيب الكلام، يأسرك بلطفه، ويريحك في طريقته وهو يتحدث اليك، فلا تمل من الاستماع اليه، وهو يتدفق في الكلام كأنما يغرف من بحر، لا يتلعثم ولا يحتاج منك ان تستفسر عن كلمة او عبارة مما يقول، لم اسمعه يوما يرفع صوته او يصرخ او يحتد في خطابه، بل يرسله هادئا مترسلا، كأن التوتر لا يجد سبيلا الى نفسه ابدا، وجل ما يقوله اذا شعر بالضيق او الغضب ان يحوقل ويحتسب، وتلك بلا شك من أخلاق العلماء الحقيقيين.


عُرف الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي بكريم صفاته فهو الشخص الذي يلاقي الناس جميعاً بوجه مشرق ، بابه مفتوح على مصراعيه لكل مراجع أو مستفتْ أو متعلم يلقى الناس بكل تواضع فلا تفارقه ابتسامته العذبة الهشة له عبق خاص يجبرك على حبه واحترامه يحب ولا يكره ، يتواضع ولا يتكبر يجمع ولا يفرق يعيش بساطة الحياة ، يتدافع إليه البسطاء والفقراء والعامة فيكلم كلاً منهم على قدر ثقافته وعلمه ويقضي لهم مصالحهم دون تذمر أو ترفع عنهم فهذا التعامل البسيط البعيد عن التكلف ينم عن شخصية ونفسية عالية عظيمة القدر ، فهو الرمز والرقم الكبير في المعادلة الإسلامية.
وخلال السنوات التي عايشتها مع استاذي عرفته ودوداً في تعامله، أنيساً في جلساته، لبقاً في حديثه، قريباً جداً من أصدقائه، قويّ في صحبته، مقنع في طرح آرائه وأفكاره. واسع الثقافة والاطلاع، حاضر البديهة، إنساني في تعامله، يحترم الآخرين، ويقدر وجهات نظرهم لا يسفه معارضيه ولا يتفه قناعاتهم ولا يحقد عليهم. عادل في أحكامه وقراراته جريء في مواقفه مؤمن بعمق؛ أن الحياة موقف وأن الرجال إنما يتفاضلون في مواقفهم الصادقة الأمينة، المجردة من الهوى، البعيدة عن طلب المنفعة والتزلف وإرضاء الآخرين.

الغياب لم يكن يوماً إلا صعباً... ولم يكن الفقد يوماً إلا قاسياً... فما أصعب أن يغيب الرجال، فان رحيله خسارة للعالم الاسلامي ومجمع الفقه الاسلامي الدولي وخسارة للأردن كما انه خسارة لعائلته وأهله وأصدقائه ومحبيه ، وخسارة للنجاح والتصميم وقيم الحق والصدق في التعامل ... وسيترك رحيله فراغاً سيشعر به الجميع ...

أجزم أن استاذنا الدكتور عبد السلام العبادي لن يتحول إلى فعل ماض، ولن يصبح في عداد الغائبين بل سيظل فاعلاً مرفوعاً على سارية أعماله ومواقفه، وسيبقى ماثلاً يمارس حضوره الدائم في كل جوانب الشريعة الاسلامية ومجامع الفقه الإسلامي .

‫وفي حضرة الموت الذي هو قدر الإنسانية جمعاء لا نملك سوى الترحّم على روحه الطاهرة.‬

نستودعك الى أرحم الراحمين ونحن حزينين وندعو المولى عز وجل ان يتقبلك مع الشهداء والصديقين في عليين وحسن اؤلئك رفيقاً.
رحلت بصمت، ومضيت بتواضع، وخلفت في قلوبنا الماً وحزناً، لا يخففه الا ظننا الحسن بالله بانك من أهل الجنة ان شاء الله، نحسبك كذلك والله حسيبك والسلام عليك في الصالحين.

وكيف أمحوك من أوراق ذاكرتي وأنت في القلب مثل النقش في الحجر.
والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين

(كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)
 

الدكتور فؤاد محيسن
عمان 10/8/2021