فيما وراء الخبر والبرتوكول في الزيارة الملكية للولايات المتحدة

اخبار البلد - د. بشار الخرشة


 
 

على مدار أسبوع من اللقاءات والاجتماعات المكثفة التي كانت تمتد منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من المساء تشرفت مع العديد من الزملاء في وسائل الاعلام والصحافة المحلية بتغطية برنامج الزيارة الملكية للولايات المتحدة الاميركية. فمن البيت الأبيض حيث مقر الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن بمكتبه البيضاوي وقاعاته الصحفية والإعلامية التي تعج بالكاميرات التلفزيونية وطواقم الصحافة والاعلاميين، الى الكونغرس الاميركي بقاعاته وردهاته التي تغص باجتماعات اللجان التشريعية المتخصصة التي تلعب دورا محوريا في صنع القرار والسياسات الاميركية داخليا وخارجيا، مرورا الى بعض مقار الإدارات والمؤسسات الحكومية والإعلامية، ووصولا الى السفارة الاردنية بمبناها المتواضع الذي يزخر بطاقات أردنية شابة سخرت قدراتها ومواهبها الدبلوماسية لخدمة رسالة الاْردن ومصالحه العليا، مستفيدة من إرث العلاقات التاريخية المتميزة الذي وطد دعائمها جلالة الراحل العظيم الحسين طيب الله ثراه وعززها ورسخ مساراتها الملك عبدالله الثاني، وانتهاء في نزل السفيرة الاردنية الذي يقع في احد الضواحي البسيطة في العاصمة واشنطن واحتضن العديد من الاجتماعات الرسمية لجلالة الملك مع عدد من المسؤولين الرسميين وممثلي الوكالات الدولية والمجتمع المدني، بين كل هذه الامكنة والمواقع دارت اجندة زيارة جلالة الملك في واشنطن في ظل موجة حر ودرجات حرارة ورطوبة عاليتين تشهدها العاصمة الاميركية هذه الأيام وأثرت على مناشط الحياة العامة هناك..

 
عادة يعرف من خبر شؤون وظروف السفر لمسافات بعيدة حجم المشاق والتعب والتغيرات البيولوجية التي تصيب المرء وتسبب له الإرهاق الجسدي، وهي أعراض طبيعية تصيب كل إنسان وبدرجات متفاوتة، لكن رؤية جلالة الملك صبيحة اليوم الثاني لوصولنا واشنطن ومشاهدة جلالته في البيت الأبيض لدى ترجله من السيارة التي اقلته وسمو ولي العهد وتبسمه للجميع عند وصوله للساحة التي استقبله فيها الرئيس بايدن، كانت كافية لشحننا بالحيوية والنشاط، فالملك يحرص دوما على ان يحيي الجميع من أعضاء الوفد المرافق قبيل ان يبدأ يومه الطويل المرهق في اجتماعات متلاحقة بدأها جلالته يومها بنفس الابتسامة العريضة وهو يصافح سيد البيت الابيض، وقيادات الكونغرس والمسؤولين في الإدارة الاميركية فيما بعد، الذين راينا في ملامحهم وكلماتهم حجم ما يكنون من احترام لجلالة الملك، وهذه الاجتماعات كما يعرف الجميع ليست مجرد مجاملات بروتوكولية او اجتماعات عابرة، بل هي بمثابة مرافعة مطولة يستنفر فيها جلالة الملك كافة طاقاته وخبراته ومدركاته وهو يتناول الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المتعلقة بالأوضاع الراهنة والمستجدات الإقليمية وملفات المنطقة وآفاق ترسيخ العلاقة الثنائية للأردن وتوسيع قاعدتها مع الولايات المتحدة، الدولة العظمى التي حافظ الملك على نسج علاقات شراكة استراتيجية مع اداراتها ومؤسساتها وقيادتها الرسمية والمدنية بشكل جعل الاْردن شريكا موثوقا للولايات المتحدة والدولة الثالثة في العالم في تلقي المساعدات والدعم الاميركي، وهذا الامر لايأتي بجرة قلم، ولا نتيجة لتعاطف اميركي عابر، او جراء اهواء او نزوة شخصية لدى المسؤولين الاميركيين، لكنه حصيلة الجهد الملكي الدؤوب والمقنع الذي حمل مصالح الاْردن العليا وحجز مكانة الوطن من خلال الدور الذي ينهض به جلالة الملك، القائم على المصارحة والعقلانية والحكمة في التعاطي مع قضايا الإقليم وازمات المنطقة، وهذا ما يحرص جلالته دائما على التحدث به لكل دوائر القرار والمسؤولين الاميركيين، ويحرص المسؤولون الاميركيون والرأي العام الاميركي على سماعه والانصات له حين يتحدث الملك اليهم ويلتقيهم في زياراته، وهو ما عبرت عنه صراحة كلمات الرئيس بايدن ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وتصريحات رؤوساء وأعضاء اللجان في مجلسي الشيوخ والنواب التي أجملت حجم الاحترام لمواقف الاْردن بقيادة جلالة الملك واكدت موقف الولايات المتحدة الداعم للمملكة في مواجهة الأوضاع التي فرضتها أزمات المنطقة وملفاتها المزمنة وما نجم عنها من ضغوطات على موارد الاْردن الطبيعية والاقتصادية، خصوصا في مواجهة أزمات اللجوء وما رافقها من اعباء إنسانية تحملها الاْردن نيابة عن المجتمع الدولي، وهو التفهم الاميركي الذي انعكس في زيادة دعم الولايات المتحدة لوكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا )، وفي التأكيد على الموقف المشترك الأردني الاميركي للتمسك بحل الدولتين وإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وضرورة التوصل لحلول لمساعدة سوريا والعراق ولبنان ودور ذلك في تعافي المنطقة وازدهار شعوبها والنأي بها عن فكر التطرّف والجماعات والتيارات الظلامية، هذا كله وأكثر ما شاهدناه ولمسناه عن قرب في كل اللقاءات والاجتماعات الملكية التي دارت في العاصمة الاميركية، وسمعناه مباشرة من جلالة الملك الذي حرص ،رغم كثافة برنامج واجندة الزيارة الملكية لواشنطن، على لقاء أعضاء الوفد الصحفي والإعلامي المرافق ووضعهم في صورة ومجريات لقاءات زيارته، هذه الزيارة التي حظيت باهتمام أمريكي ودولي وعربي كبير، كونها الزيارة التي نجحت في اعادة الالق للعلاقة الاردنية الاميركية وللقضايا الرئيسة للمنطقة للدرجة التي وصفت بها صحيفة نيويورك تايمز الاميركية جلالته بانه الناطق باسم العالم العربي ومبعوثه في واشنطن، بعد أن نجح جلالته في أعادة الزخم للعلاقة مع البيت الأبيض وتجاوز كل اثار السلوكيات السياسية للإدارة الاميركية السابقة، ولعل الترحيب وحفاوة الاستقبال والحديث الودي للرئيس يأيدن مع جلالة الملك وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد امام الصحافة الاميركية والعالمية خير مثال وشاهد على كل ذلك، حين اختصر الرئيس بايدن على جلالة الملك جهد الحديث عن العلاقات الثنائية ووصفها بأنها علاقات تاريخية راسخة وقائمة على الثقة والأحترام المتبادل والتقدير لمكانة الاْردن ودور جلالة الملك في الدفاع عن قضايا الأمة وحمله لملفات المنطقة وتوضيح ابعادها وعواقبها على السلم والأمن الدوليين إن هي بقيت تراوح مكانها دون حلول عادلة وتدخلات جدية من المجتمع الدولي وعواصم صنع القرار العالمي.