عملات عربية تباع بالوزن

اخبار البلد-

 
خلال فترة الحصار على العراق بعد حرب عاصفة الصحراء، وكنت حاضرا هناك، كان يعتريني حزن شديد عندما أقف في محطة تزويد بالوقود وأدفع دولارا واحدا لكل مئة ليتر بنزين، أو عندما كنت أذهب إلى شارع الكرادة لصرف مئة دولار ويضع الصراف كمية كبيرة من الأوراق النقدية في الميزان، ومقابلها أوزانا تعادل وزن ورق العملة المطابقة لسعر مئة دولار، ثم يضعها في كيس بلاستيكي ويعطيها لي كأي خضار يبيعك فجلا وبصلا

يزداد حزني عندما أتذكر أني عندما زرت العراق أول مرة قبل الحرب وكنت أصرف كل ثلاثة دولارات بدينار واحد. إنهيار العملة رافقه انهيار طبقات اجتماعية، من طبقات متوسطة إلى طبقات فقيرة، والطبقات الغنية وجدت لها مكانا آخر في أوربا، أو في سوريا ولبنان ومصر

وتشرد مئات آلاف الأطفال بعد مقتل آبائهم وأمهاتهم. وكان حزني أعمق عندما شاهد طابورا طويلا من ضباط الجيش العراقي ينتظرون في حر آب/ أغسطس لاستلام مبلغ خمسين دولارا من مكتب حسابات الجيش الأمريكي. اليوم ورغم تحسن نسبي للأوضاع مازال الدولار يباع بـ 1500 دينار تقريبا

اليمن السعيد

خلال الفترة ذاتها كان اليمن يشهد بداية تدهور عملته، كان السعر الرسمي للريال 11 ريالا للدولار بينما في السوق السوداء كان يباع بـ 70 ريالا وهو السعر الحقيقي له

وعلى نسق صرافي شارع الكرادة، كان صرافو باب اليمن يضعون أوزانا في الميزان يقابلها أوراق العملة بالريال لتنتهي عملية الصرف بوضع كمية كبيرة من الأوراق النقدية التي لا يمكنك عدها في كيس بلاستيكي كما توضع أوراق القات لمن يشتريها

اليوم يباع الدولار الواحد بـ 600 ريال تقريبا، أي أن الأوزان التي كانت توضع في الميزان سابقا يجب أن تضرب بعشرة، فإذا أردت صرف مئة دولار مثلا ستحصل على 60,000 ريال. مع العلم أن متوسط دخل الفرد يعادل حوالي 30000 ريال. يخصص منها جزء كبير لشراء القات

سوريا «الأسد»

لم تشهد سوريا حالة مشابهة لما هي عليه اليوم من انهيار اقتصادي، وهبوط سعر الليرة كما هو اليوم حتى خلال المجاعة الكبرى في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية العشرين

ومن المعروف أن سوريا قبل نظام عائلة الأسد كانت سلة غذائية متكاملة، وأرخص بلد في العالم حسب أكثر من دراسة دولية

مع اندلاع الثورة السورية اختار النظام المواجهة المسلحة مع المعارضة السلمية، وقام باعتقال مئات الآلاف، وهجر أكثر من سبعة ملايين نسمة كلاجئين في أركان الأرض الأربعة

ونزح تقريبا العدد نفسه من مناطق تحت سيطرة النظام إلى المناطق المحررة تحت سيطرة المعارضة، فخسرت سوريا أفضل ما لديها من خبرات، ويد عاملة، يضاف إليها هدم البنية التحتية والعمران، وقصف المشافي والمراكز الصحية، والأسواق والأفران. ثم اكتشف العالم بذهول كيف يقتل النظام المعارضين المدنيين تحت التعذيب، وجاء ذلك موثقا بصور قيصر التي قامت واشنطن بتطبيق عقوبات اقتصادية على النظام بسببه، ويضاف إلى ذلك خسارة النظام الثروة النفطية التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية ( قسد) بدعم أمريكي

كل هذه الأمور مجتمعة سببت انهيارا اقتصاديا غير مسبوق انعكس مباشرة على سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار. فالدولار الواحد عندما تسلط حافظ الأسد على السلطة في العام 1970 كان يساوي أكثر من ثلاث ليرات بقليل، أما اليوم فقد بلغ سعر الدولار الواحد أكثر من ثلاثة آلاف ليرة سورية، أي ألف ضعف لما كانت عليه، فإذا أردت صرف مئة دولار لابد من استخدام الميزان وكيس بلاستيكي

لبنان: على شفا الانهيار

يعيش لبنان اليوم على شفا انهيار اقتصادي واجتماعي، والفراغ السياسي. لبنان الذي كان من أفضل البلدان العربية، وموئلا للمعارضات العربية، وساحة رحبة للحريات، وحلم كل عثماني أن يكون له مرقد عنز فيه، بات اليوم أقرب إلى جمهورية موز مفلسة تعيش على ريع المخدرات

لبنان الذي كان اقتصاده يعتمد على قطاع المصارف، والخدمات، وتصدير الفواكه والخضروات إلى دول الخليج، ومن أفضل الدول العربية غير النفطية اقتصادا، يعيش اليوم اخطر أزمة اقتصادية واجتماعية بعد ما أصابه من جائحة كورونا، وانفجار المرفأ، والفراغ السياسي، والدولة داخل الدولة. وكنتيجة حتمية تدهورة الليرة اللبنانية إلى مستوى قياسي حيث بات معها اللبناني غير قادر على شراء الغذاء لعائلته بسبب التضخم الضخم. فالليرة اللبنانية التي كانت عند تأسيس مصرف لبنان في العام 1964 تساوي 3,22 للدولار الواحد وهو نفس السعر تقريبا كان أيضا لليرة السورية، أصبحت اليوم لا قوة شرائية لها على الإطلاق. إذ يصرف الدولار اليوم بحوالي 23000 ليرة

ويذكر أن سعر الصرف الذي بفضل المرحوم الشيخ رفيق الحريري قد تم تثبيته بعد الحرب الأهلية بـ 1500 ليرة، اليوم إذا أردت أن تصرف مئة دولار إن وجدت في جيب أحدهم فالصراف لا حل له سوى الميزان وكيس بلاستيكي كبير

السودان بعد الانفصال

خسر السودان أكثر من نصف انتاجه القومي بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011 بسبب خسارة كبيرة في كمية الإنتاج النفطي من منطقة أبيي الذي كانت الدولة تعتمد عليه اعتمادا كبيرا. وكذلك الأمر بالنسبة لانتاج الذهب، وبعض المواد الزراعية كالمانغا، والباباي، والجوافة وسواها. وانفصال الجنوب كان ضربة قاصمة لاقتصاد السودان، إضافة إلى العقوبات الأمريكية التي جاءت بعد اتهام السودان بإيواء منظمة القاعدة الإرهابية، وقد أثر ذلك أيضا على أسعار الصرف مقابل الجنية السوداني، الذي فقد نسبة كبيرة من قيمته، ففي العام 2011 كان سعر الدولار يساوي أقل من عشرة جنيهات، اليوم وحتى بعد رفع العقوبات الأمريكية، وموافقة البنك الدولي على منحه 820 مليون دولار، وإعفاء ديون من قبل الولايات المتحدة، وتقديم منح من الإمارات مقابل التطبيع مع إسرائيل، فإن سعر الدولار يساوي أكثر من 450 جنيها، فإذا أردت صرف مئة دولار ربما لا تحتاج لكيس بلاستيكي، ولكن لحقيبة كبيرة