ثلاث ملاحظات في الطريق

أخبار البلد-

 

توجَّهت إليَّ طالبة لأحد المواضيع الاجتماعية من جامعة حيفا، لمشاركتها في بحث اجتماعي تقوم به ضمن دراستها، وذلك حول التبذير في مناسباتنا مثل الأعراس وعن أسبابه.

يبدو أن هناك حاجة للتميُّز المادي لدى الكثيرين نتيجة الضعف في الجانب الروحي، والجانب الروحي الذي أقصده هو الإشباع الروحي، والجانب الروحي يعني عمق الإيمان الذي يبعد الإنسان عن المظاهر الآنية وعن الإسراف من منطلقات عقائدية، كذلك فهو يشمل الإشباع الروحي الفني والأدبي الذي يتسامى في روح الإنسان ويجعله قانعًا أكثر وأكثر اتزانا، ولا يسعى لملء فراغ روحي من خلال إظهار تفوقه في طعام وشراب ومفرقعات واستعراضات وغيرها.
– الوفرة في السوق والعروض المغرية التي يقدمها المنتجون للأطعمة والحلويات بعد أن كانت لونًا أو اثنين، صارت مئات الألوان.
– ارتفاع متوسط دخل الأسرة التي يعمل فيها الرجل والمرأة، فهذا يوفر إمكانية كبيرة للترف.
– تلعب البنوك دورًا، فهي تبادر لمنح القروض بشروط مريحة نوعًا ما، وهذا يعني أن المقبل على مناسبة لا يقلق كثيرًا ما دام أن البنك مستعد لتقديم قرض له عندما يطلب.
– وجود تكافل اجتماعي وإمكانية اللجوء إلى الأهل أو الأقارب من أشقاء وشقيقات وأنسباء، يمدُّون يد العون في مثل هذه المناسبات.
– التراث والثقافة العربية التي تعتبر تقديم الطعام فروسية ونوعًا من الرجولة. هذا صحيح عندما يقدَّم لمن هم في حاجة، إلا أن الطعام في هذه الأيام يقدّم في الأساس إلى جمهور يعاني من التخمة والسمنة الزائدة.
قالت العرب قديمًا، إن خير الأمور الوسط، وجاء في القرآن الكريم: "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا”.
لا أشعر بالهزيمة عندما يُسنّ قانون معادٍ للجماهير العربية، فهذا طبيعي من دولة قائمة على التمييز وقضم حقوق مواطنيها العرب منذ تأسيسها. ولكن الهزيمة الحقيقية تأتي من الداخل، وهذه يشترك في صنعها أناس يعرِّفون أنفسهم كوطنيين.
في شوارع بلدي وبلدان عربية كثيرة أشعر بالهزيمة، فلا يكفي أن نستنكر أو نرفض تصريحات وقوانين، بل يجب أن لا نكون أداة تنفيذ لهذه القوانين.
أوّل قانون، هو قانون اللغة العربية، فالعربية في تراجع كبير على واجهات المحلات التجارية، معظمها تنازل عن العربية تمامًا، والبعض أشفق عليها فوضعها في خط صغير يكاد لا يرى، إلى جانب لافتات عملاقة بالعبرية.
ليست المرة الأولى ولا الثانية التي أتطرّق فيها إلى هذا الموضوع ولكنه أصبح مقلقًا، ومؤلم جدًا أن يصبح هذا الأمر مُسلّما به، وغريب أن ترى هذا في محلات يملكها أشخاص ناشطون سياسيًا، قد تجدهم واقفين في تظاهرة احتجاجية على القوانين العنصرية! وكأنهم لا يستوعبون الخطورة الكامنة في التنازل عن لغة الأم على لافتة محلهم التجاري، الذي يعني الموافقة تلقائيًا على القانون العنصري الذي يميّز ضدها، وعلى عدم أهميتها، وهذا يعزز انطباعًا خاطئا لدى الكثير من الأهالي ومن طلاب المدارس بعدم أهمية اللغة العربية، بذريعة أنها ليست لغة الدراسة الجامعية أو لغة العمل، علمًا بأن هذا خاطئ، فمن لا يتقن لغته الأم سيجد صعوبات في فهم المقروء في لغات أخرى.
إلى جانب هذا فإن الاكتفاء بوضع لافتات عبرية يؤكد ويدعم قانون يهودية الدولة الذي بادر إليه بيبي نتنياهو، فهذا جزء من المقصود بالطابع العبري واليهودي للدولة، وإذا كان بعضنا يتنازل بهذه السهولة والخِفّة عن لغتنا والطابع العربي الذي يفترض أن تظهر فيه قرانا، فبأي حق نحتج على القوانين العنصرية التي نطبقها على أنفسنا؟
لهذا يجب النظر إلى قضية اللافتات بأهمية قصوى، وهذا يعني أن يتحمل أصحاب المحلات المسؤولية، والناس بشكل عام، من خلال لفت نظر أنظار أصحاب المحلات بأن ما يفعلونه خطأ، كذلك تتحمل البلديات والمجالس مسؤولية، لأن بإمكانها الضغط من خلال القوانين المساعدة، كذلك بإمكان أصحاب التأثير على الموضوع من رجال دين ورجال مجتمع، وأن يدعوا الناس إلى احترام لغتهم، كذلك يمكن للجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية والأحزاب، أن يلعبوا دورًا من خلال التوجه. أوقفوا هذا التدهور، فعلى هذه الوتيرة من التدهور لن نرى لافتة عربية واحدة في قرانا وبلداتنا.
من الجميل جدا تسمية الشوارع في مدننا وقرانا العربية، أولا لأنه يصبح الوصول إليها أكثر سهولة، خصوصًا للقادم من خارج البلدة واستخدامها في تطبيق "Waze”، كذلك فإن ترقيم البيوت مهم جدا.
التسمية مهمة لأنها تمنح للمكان شخصيته وطابعه، وتعبّر عن الثقافة العامة السائدة في كل بلد وبلد.
بهذه المناسبة أود أن أشكر القائمين على تسمية الشوارع في كل بلد وبلد ومنها بلدتي مجد الكروم، حيث أطلقت لجنة التسميات برئاسة عضو المجلس، عز الدين بدران، أسماءً على معظم الشوارع والأزقة.
ألفت انتباه المقبلين على تسميات الشوارع في قراهم وبلداتهم إلى ضرورة التوازن بين الشخصيات الغابرة والمعاصرة، الرجالية والنسائية، الدينية والعلمية والفنّية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والأدبية والرياضية، كي تمثل مجتمعاتنا وتنوعها بصدق وأمانة، وأن تكون إشارات مُلفتة معبرة وموجّهة ومهمة في طريق الأجيال القادم.