سد النهضة: لا تصويت في مجلس الأمن والعودة للمفاوضات محسومة والاختلاف على النهج والشكل
أخبار البلد-
انتهت جلسة مجلس الأمن حول سد النهضة من دون التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به تونس، فيما اعتبر السودان على لسان وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي «مناقشة القضية على انها مهددة للسلم والأمن الدوليين يعتبر انتصارا لوجهة نظر السودان» فيما أبقت مصر الباب مفتوحا لكل الاحتمالات بعد جلسة مجلس الأمن حيث قال وزير الخارجية سامح شكري «إذا تعرض بقاء مصر للخطر فلن يكون أمامها سوى دعم وحماية حقها الأصيل في الحياة الذي يكفله القانون» من دون الخوض في التفاصيل. بينما قالت الأمم المتحدة انها واثقة بقدرة الأطراف للوصول إلى حل قريب، في وقت توقع فيه مصدر أوروبي لـ«القدس العربي» أنه «أتوقع ان يعود الأطراف قريبا جدا لطاولة التفاوض بناء على البيان الذي سيخرج به مجلس الأمن» مستبعدا صدور قرار من مجلس الأمن لعدم توفر9 دول تدعم مشروع القرار الذي تقدمت به تونس
وقالت وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي في مؤتمر صحافي عقب جلسة مجلس الأمن في نيويورك «كان البعض متخوفا ان تطرح قضية نزاع حول المياه في هذا المجلس لكن الطريقة التي عرض بها وزير الري الإثيوبي قضيته تؤكد انها ليست قضية مياه ولكن هي دولة تتعامل مع المياه كسلاح لتهيمن به على جيرانها وبالتالي تحولت إلى مسألة مباشرة تخص الأمن والسلم الدوليين، وهذا أكبر تحول ليس على مستوى قضية السودان ومصر ولكن على مستوى العالم، فهذه أول مرة يناقش المجلس قضية مثل هذه». وتابعت المهدي قائلة «بعض الدول لا تريد التطرق لقضايا المياه ولا تريد المواصلة في مثل هذه المواضيع وربما يكون هذا هو الوقت المناسب للإضاءة على مثل هذه السابقة لأن يستخدم مجلس الأمن الدبلوماسية الوقائية» وزادت «من حرصنا على الاتحاد الأفريقي نريد ان يعضد دوره بالتعاون مع الأمم المتحدة ونحن في السودان لدينا مثال حقيقي ممثل في البعثة المشتركة يوناميد، وانتهت بصورة جيدة والاتحاد الأفريقي لأسباب موضوعية عرض علينا رئيس المفوضية الأفريقي موسى فكي ان الاتحاد يحتاج لهذا التعزيز من المجتمع الدولي في المسائل اللوجستية والفنية والخبرات وبالتالي نحن نادينا بتعزيز دوره مع التأكيد عليه بوجود الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولة جنوب أفريقيا»
في وقت توقع فيه مصدر أوروبي مطلع للغاية لـ«القدس العربي» عدم التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به تونس بطلب من السودان ومصر وقال «أصلا مجلس الأمن أما ان يصدر قرارا بناء على مشروع قانون تقدمت به دولة عضو أما بالاجماع من قبل انعقاد الجلسة أو بالتصويت أو يصدر رئيس المجلس بيانا صحافيا أو بيانا باسمه، وفي حالة مشروع القرار الذي تقدمت به تونس لم يحز على اجماع الأعضاء كما لم يحز على نسبة 9 أعضاء، خمسة منهم أعضاء دائمين الذين لم يدعموا مشروع القرار وظهر تباين كبير في نظرتهم للقضية نفسها خلال كلماتهم في جلسة يوم الخميس» وتابع «المنتظر الآن هو صدور تصريح صحافي أو بيان رسمي من رئيس مجلس الأمن وهو الراجح، لكن تأخر صدوره عقب الجلسة مباشرة يأتي من ان القضية تعتبر سابقة في تاريخ عمل مجلس الأمن وبالتالي ما زالت المشاورات مستمرة حتى اللحظة (نهار الجمعة) داخل الغرف في المجلس وخارجه أيضا» وزاد «لكن مؤكد ان البيان سيحوي الدعوة لعودة جميع الأطراف لطاولة المفاوضات مباشرة لاستكمال النقاش برئاسة الاتحاد الأفريقي لكن من غير المعلوم هل ستوسع المظلة لتشمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة أم لا؟»
مسار حل
يأتي ذلك في وقت أكدت الأمم المتحدة استعدادها لتبني مسار حل يحقق الفائدة للجميع فيما يتعلق بمشروع سد النهضة على النيل الأزرق، وأنها على استعداد لدعم جهود إثيوبيا ومصر والسودان للوصول إلى حل لخلافهم الذي امتد لقرابة عقد كامل حول هذا المشروع
جاء ذلك في إفادة اونانجا ايانجا المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمنطقة القرن الأفريقي أمام مجلس الأمن الدولي في جلسته التي انعقدت لبحث ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي
وذكر بيان لمركز إعلام الأمم المتحدة أن المبعوث الأممي قال إن المفاوضات المصرية الإثيوبية السودانية حول سد النهضة التي جرت تحت مظلة الاتحاد الأفريقي «لم تحقق الكثير» وهو ما أبقى أطراف الأزمة عاجزين عن الاتفاق على إبرام اتفاق إطاري لتسوية القضايا الخلافية العالقة والتي من بينها آلية حل الخلافات وأسلوب إدارة السد في أوقات الجفاف الممتد»
وقال المبعوث الأممي «ستظل الأمم المتحدة حاضرة للتوصل إلى اتفاق يحقق فائدة كافة أطراف الأزمة والعمل على دفعهم باتجاه تسوية هذا الخلاف المعقد انطلاقا من إرادة سياسية توافقية ومبادئ حسن الجوار»
وبالعودة للمفاوضات تجدر الإشارة إلى ان دولة الكونغو وبدعم من الولايات المتحدة كانت تقدمت بمقترح لاتفاق جزئي ينظم عملية الملء للعام الثاني وبسقف زمني 6 أشهر وتوفير المعلومات للسودان مع التوقيع على ما تم الاتفاق عليه في الجولات السابقة والذي يصل إلى 80 في المئة من جملة الاتفاق النهائي مع الالتزام ببنود إعلان المبادئ ما يعني عدم مناقشة إعادة تقاسم حصص المياه، وهو المقترح الذي تعلن رفضه إثيوبيا بشكل رسمي إلى هذه اللحظة لكنها ظلت تكرر دوما انها تريد إعادة تقسيم حصص المياه من جديد
في وقت قال فيه الناطق باسم الخارجية عن سد النهضة السفير عمر الفاروق في برنامج «المشهد» في تلفزيون السودان ليل الخميس «الاستراتيجية الإثيوبية مبنية على اتفاقات ممرحلة وتشتري الوقت ليصبح أمر السد أمرا واقعا، ونحن شواغلنا في هذه القضية أننا نريد معلومات مفصلة بشكل يومي عن حجم التدفقات اليومية وكمية المياه المحصورة خلف السد وهو أس الخلاف بيننا لأننا نريده في ظل اتفاق قانوني دولي ملزم وهم يتعنتون (إثيوبيا) في إعطائنا ما نريد وهو يتعنت في الاتفاق على ذلك نحن لا نريد ان تعطينا معلومات ونريد اتفاقا قانونيا وملزما وهم قاموا بالملء في العام الماضي من دون إخطار وبدون تنسيق ما قاد لان تخرج 7 محطات لمياه الشرب في الخرطوم عن الخدمة وتأثر المواطنون بانقطاع تام للمياه لمدة ثلاثة أيام»
فيضانات
لكن مصدرا حكوميا مطلعا قال لـ«القدس العربي» إثيوبيا تقول انها سترسل المعلومات للسودان لكن المعلومات التي يتحدثون عنها ليست لها قيمة الآن، وما نريده من معلومات نريده باتفاق قانوني، لكن مع ذلك كله فإن ملء هذا العام لن يؤثر على السودان بانقطاع المياه نتيجة لارتفاع إيرادات نهر النيل الأبيض النابع من بحيرة فكتوريا في يوغندا الذي ارتفع إيراده ضعف إيراد العام الماضي إضافة للتحوطات التي قمنا بها في بحيرة خزان الرصيرص وسد جبل أولياء على النيل الأبيض نفسه. بل نحن نخشى من فيضانات هذا العام لأن من غير المعروف هل ستستطيع إثيوبيا حجز كل الكمية 13 مليار متر مكعب وفق ما هو مقرر أم سيكون إيراد الأمطار أكبر من حجم الإنشاءات الخاصة بالسد؟»
وعن العودة للمفاوضات قال «أصلا السودان ومصر وإثيوبيا في كلماتهم في جلسة مجلس الأمن كلهم أبدوا استعدادهم للعودة لطاولة المفاوضات لكن نحن نرفض العودة ان كانت على الطريقة القديمة. كما أن هناك تباينا بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ودولة الكونغو عن شكل هذه المفاوضات لكن عودتنا لها أمر محسوم»
مواقف الأطراف
ويقول الدكتور هاني رسلان من مركز «الأهرام» للدراسات الاستراتيجية «اجتماع مجلس الأمن يلقي أضواء كاشفة بالغة القوة سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا، على أزمة السد وعلى مواقف الأطراف، وهذا بحد ذاته قيمة مضافة ومكسبا تراكميا يضاف إلى قوة ومصداقية الموقف المصري وما يقوم عليه من اتساق مع القانون الدولي» وتابع قائلا «قد يقول قائل وماذا كسبنا من ذلك؟ والرد أن مثل هذه القضايا المعقدة لا تقوم على مفاهيم الحق والعدل ولا على التناول الموضوعي، وانما تتقاطع فيها مصالح الأطراف مع تقاطعات إقليمية ودولية وفاعلين ولاعبين متعددين وكل منهم له حساباته ومصالحه وتوازناته، والإبحار في هذه التقاطعات يقتضي الكثير من الاتصالات والتحركات والمناورات، لا سيما أن المنطقة حولنا كلها مأزومة من ليبيا إلى سوريا إلى فلسطين إلى اليمن إلى الخليج وإيران إلى العراق، وهذه الأزمات ليست منفصلة بل تؤثر وتتأثر ببعضها البعض. وفي الصدارة منها أزمة السد الإثيوبي بالنسبة لنا، ولكن ليس بالنسبة لغيرنا .»
وأضاف «يظهر السؤال الذي يقول أن إثيوبيا تفعل ومصر تتكلم، وهذا ليس صحيحا، فالملء الثاني سيكون محدودا نتيجة الفشل الإثيوبي الذريع في استكمال تعلية الممر الأوسط في السد، واجمالي التخزين (بعد اكتمال الملء الثاني) سيدور حول ثمانية أو تسعة مليارات (وليس 18.5 مليار م3 كما كان مخططا). وبالتالي فإن القنبلة المائية التي قد تهدد السودان لم تتكون بعد، كما ان الخيار العسكري في حالة الاضطرار إليه سيظل قائما حتى حزيران/يونيو 2022». وزاد «وفي مقابل قوة الموقف المصري الذي يكسب كل يوم أرضا جديدة سياسيا ودبلوماسيا، في الوقت الذي يحتفظ فيه بجاهزيته للتعامل مع كل الخيارات، فإن الوضع في إثيوبيا يتجه للانهيار بعد الهزيمة الثقيلة والمروعة التي تلقتها حكومة أبي أحمد في إقليم تغراي ومعه كل حلفائه في إريتريا وإقليم أمهرا». وأردف «وهناك إجماع أن فرص إثيوبيا للبقاء متماسكة كدولة قد تراجعت إلى حد خطير، ومن ثم فإنها لن تستطيع البقاء متماسكة من دون معونة غربية كبرى، وهذه الأخيرة لها أطروحاتها وتصوراتها الخاصة ومصالحها، التي لا تتوافق مع تصورات ومصالح أبي أحمد والأمهرا وأفورقي. والوضع الداخلي مفتوح على احتمالات متعددة»
سابقة دولية
وبالنظر لكل هذه المعطيات نجد ان المحصلة هي نجاح السودان ومصر في وضع قضية التنازع حول المياه على طاولة مجلس الأمن في سابقة دولية تعتبر تحولا في القضايا التي ينظرها المجلس، كما انها وضعت القضية بهذا الشكل في أولوية ومعرفة المجتمع الدولي شعوبا وحكومات بطبيعة النزاع بين الدول الثلاث، وهذه الأضواء الكاشفة بالضرورة ستمنع أي عمل عسكري مباشر على جسم سد النهضة، وان الثابت ان إثيوبيا قامت بالملء الثاني فعليا، وان الأضرار السابقة من الملء الأول متمثلة في انقطاع للمياه في الخرطوم لن تتكرر، والراجح ان فيضانات يمكن ان تتجدد في السودان للعام الثاني، والثابت أن الأطراف جميعها ستعود للتفاوض لكن من غير المعلوم ما هو شكله في ظل التعنت الإثيوبي بجهة توسعة مظلة الوسطاء، مع عدم تصريح إثيوبيا رسميا بقبول مناقشة مقترح دولة الكونغو كما أوضحنا أعلاه، ومع ذلك تجدر الانتباهة إلى ان ديناميكيات الداخل الإثيوبي ستلقي بظلالها على مشهد سد النهضة حيث صادفت الأزمة الداخلية في إقليم تغراي مع إعلان الملء الأحادي الأول الذي كان في تموز/يوليو وانتهى في اب/اغسطس واندلعت الحرب في تشرين الثاني/نوفمبر ومع حلول موعد الملء الثاني هذا الشهر لم تعد إثيوبيا هي نفسها إثيوبيا عند الملء الأول بعد تلطيخ صورة أبي أحمد دوليا واستعادة التغراي سيطرتهم على كامل أراضي إقليمهم، فهل ينجح أبي أحمد في تدوير توربينات الكهرباء شهر تشرين الأول/اكتوبر المقبل وفق ما هو مقرر بعد الملء الثاني هذا العام ويستفيد من هذا النصر على السودان ومصر لتقوية موقفه في التفاوض، أم تخذله تفاعلات الداخل الإثيوبي مع التغراي وبني شنغول لرسم واقع جديد يجعل نصر سد النهضة خاليا من محتواه؟ كل هذا متروك للأيام هي من ستجيب عليه حتما.
وقالت وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي في مؤتمر صحافي عقب جلسة مجلس الأمن في نيويورك «كان البعض متخوفا ان تطرح قضية نزاع حول المياه في هذا المجلس لكن الطريقة التي عرض بها وزير الري الإثيوبي قضيته تؤكد انها ليست قضية مياه ولكن هي دولة تتعامل مع المياه كسلاح لتهيمن به على جيرانها وبالتالي تحولت إلى مسألة مباشرة تخص الأمن والسلم الدوليين، وهذا أكبر تحول ليس على مستوى قضية السودان ومصر ولكن على مستوى العالم، فهذه أول مرة يناقش المجلس قضية مثل هذه». وتابعت المهدي قائلة «بعض الدول لا تريد التطرق لقضايا المياه ولا تريد المواصلة في مثل هذه المواضيع وربما يكون هذا هو الوقت المناسب للإضاءة على مثل هذه السابقة لأن يستخدم مجلس الأمن الدبلوماسية الوقائية» وزادت «من حرصنا على الاتحاد الأفريقي نريد ان يعضد دوره بالتعاون مع الأمم المتحدة ونحن في السودان لدينا مثال حقيقي ممثل في البعثة المشتركة يوناميد، وانتهت بصورة جيدة والاتحاد الأفريقي لأسباب موضوعية عرض علينا رئيس المفوضية الأفريقي موسى فكي ان الاتحاد يحتاج لهذا التعزيز من المجتمع الدولي في المسائل اللوجستية والفنية والخبرات وبالتالي نحن نادينا بتعزيز دوره مع التأكيد عليه بوجود الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولة جنوب أفريقيا»
في وقت توقع فيه مصدر أوروبي مطلع للغاية لـ«القدس العربي» عدم التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به تونس بطلب من السودان ومصر وقال «أصلا مجلس الأمن أما ان يصدر قرارا بناء على مشروع قانون تقدمت به دولة عضو أما بالاجماع من قبل انعقاد الجلسة أو بالتصويت أو يصدر رئيس المجلس بيانا صحافيا أو بيانا باسمه، وفي حالة مشروع القرار الذي تقدمت به تونس لم يحز على اجماع الأعضاء كما لم يحز على نسبة 9 أعضاء، خمسة منهم أعضاء دائمين الذين لم يدعموا مشروع القرار وظهر تباين كبير في نظرتهم للقضية نفسها خلال كلماتهم في جلسة يوم الخميس» وتابع «المنتظر الآن هو صدور تصريح صحافي أو بيان رسمي من رئيس مجلس الأمن وهو الراجح، لكن تأخر صدوره عقب الجلسة مباشرة يأتي من ان القضية تعتبر سابقة في تاريخ عمل مجلس الأمن وبالتالي ما زالت المشاورات مستمرة حتى اللحظة (نهار الجمعة) داخل الغرف في المجلس وخارجه أيضا» وزاد «لكن مؤكد ان البيان سيحوي الدعوة لعودة جميع الأطراف لطاولة المفاوضات مباشرة لاستكمال النقاش برئاسة الاتحاد الأفريقي لكن من غير المعلوم هل ستوسع المظلة لتشمل الأمم المتحدة والولايات المتحدة أم لا؟»
مسار حل
يأتي ذلك في وقت أكدت الأمم المتحدة استعدادها لتبني مسار حل يحقق الفائدة للجميع فيما يتعلق بمشروع سد النهضة على النيل الأزرق، وأنها على استعداد لدعم جهود إثيوبيا ومصر والسودان للوصول إلى حل لخلافهم الذي امتد لقرابة عقد كامل حول هذا المشروع
جاء ذلك في إفادة اونانجا ايانجا المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمنطقة القرن الأفريقي أمام مجلس الأمن الدولي في جلسته التي انعقدت لبحث ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي
وذكر بيان لمركز إعلام الأمم المتحدة أن المبعوث الأممي قال إن المفاوضات المصرية الإثيوبية السودانية حول سد النهضة التي جرت تحت مظلة الاتحاد الأفريقي «لم تحقق الكثير» وهو ما أبقى أطراف الأزمة عاجزين عن الاتفاق على إبرام اتفاق إطاري لتسوية القضايا الخلافية العالقة والتي من بينها آلية حل الخلافات وأسلوب إدارة السد في أوقات الجفاف الممتد»
وقال المبعوث الأممي «ستظل الأمم المتحدة حاضرة للتوصل إلى اتفاق يحقق فائدة كافة أطراف الأزمة والعمل على دفعهم باتجاه تسوية هذا الخلاف المعقد انطلاقا من إرادة سياسية توافقية ومبادئ حسن الجوار»
وبالعودة للمفاوضات تجدر الإشارة إلى ان دولة الكونغو وبدعم من الولايات المتحدة كانت تقدمت بمقترح لاتفاق جزئي ينظم عملية الملء للعام الثاني وبسقف زمني 6 أشهر وتوفير المعلومات للسودان مع التوقيع على ما تم الاتفاق عليه في الجولات السابقة والذي يصل إلى 80 في المئة من جملة الاتفاق النهائي مع الالتزام ببنود إعلان المبادئ ما يعني عدم مناقشة إعادة تقاسم حصص المياه، وهو المقترح الذي تعلن رفضه إثيوبيا بشكل رسمي إلى هذه اللحظة لكنها ظلت تكرر دوما انها تريد إعادة تقسيم حصص المياه من جديد
في وقت قال فيه الناطق باسم الخارجية عن سد النهضة السفير عمر الفاروق في برنامج «المشهد» في تلفزيون السودان ليل الخميس «الاستراتيجية الإثيوبية مبنية على اتفاقات ممرحلة وتشتري الوقت ليصبح أمر السد أمرا واقعا، ونحن شواغلنا في هذه القضية أننا نريد معلومات مفصلة بشكل يومي عن حجم التدفقات اليومية وكمية المياه المحصورة خلف السد وهو أس الخلاف بيننا لأننا نريده في ظل اتفاق قانوني دولي ملزم وهم يتعنتون (إثيوبيا) في إعطائنا ما نريد وهو يتعنت في الاتفاق على ذلك نحن لا نريد ان تعطينا معلومات ونريد اتفاقا قانونيا وملزما وهم قاموا بالملء في العام الماضي من دون إخطار وبدون تنسيق ما قاد لان تخرج 7 محطات لمياه الشرب في الخرطوم عن الخدمة وتأثر المواطنون بانقطاع تام للمياه لمدة ثلاثة أيام»
فيضانات
لكن مصدرا حكوميا مطلعا قال لـ«القدس العربي» إثيوبيا تقول انها سترسل المعلومات للسودان لكن المعلومات التي يتحدثون عنها ليست لها قيمة الآن، وما نريده من معلومات نريده باتفاق قانوني، لكن مع ذلك كله فإن ملء هذا العام لن يؤثر على السودان بانقطاع المياه نتيجة لارتفاع إيرادات نهر النيل الأبيض النابع من بحيرة فكتوريا في يوغندا الذي ارتفع إيراده ضعف إيراد العام الماضي إضافة للتحوطات التي قمنا بها في بحيرة خزان الرصيرص وسد جبل أولياء على النيل الأبيض نفسه. بل نحن نخشى من فيضانات هذا العام لأن من غير المعروف هل ستستطيع إثيوبيا حجز كل الكمية 13 مليار متر مكعب وفق ما هو مقرر أم سيكون إيراد الأمطار أكبر من حجم الإنشاءات الخاصة بالسد؟»
وعن العودة للمفاوضات قال «أصلا السودان ومصر وإثيوبيا في كلماتهم في جلسة مجلس الأمن كلهم أبدوا استعدادهم للعودة لطاولة المفاوضات لكن نحن نرفض العودة ان كانت على الطريقة القديمة. كما أن هناك تباينا بين مفوضية الاتحاد الأفريقي ودولة الكونغو عن شكل هذه المفاوضات لكن عودتنا لها أمر محسوم»
مواقف الأطراف
ويقول الدكتور هاني رسلان من مركز «الأهرام» للدراسات الاستراتيجية «اجتماع مجلس الأمن يلقي أضواء كاشفة بالغة القوة سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا، على أزمة السد وعلى مواقف الأطراف، وهذا بحد ذاته قيمة مضافة ومكسبا تراكميا يضاف إلى قوة ومصداقية الموقف المصري وما يقوم عليه من اتساق مع القانون الدولي» وتابع قائلا «قد يقول قائل وماذا كسبنا من ذلك؟ والرد أن مثل هذه القضايا المعقدة لا تقوم على مفاهيم الحق والعدل ولا على التناول الموضوعي، وانما تتقاطع فيها مصالح الأطراف مع تقاطعات إقليمية ودولية وفاعلين ولاعبين متعددين وكل منهم له حساباته ومصالحه وتوازناته، والإبحار في هذه التقاطعات يقتضي الكثير من الاتصالات والتحركات والمناورات، لا سيما أن المنطقة حولنا كلها مأزومة من ليبيا إلى سوريا إلى فلسطين إلى اليمن إلى الخليج وإيران إلى العراق، وهذه الأزمات ليست منفصلة بل تؤثر وتتأثر ببعضها البعض. وفي الصدارة منها أزمة السد الإثيوبي بالنسبة لنا، ولكن ليس بالنسبة لغيرنا .»
وأضاف «يظهر السؤال الذي يقول أن إثيوبيا تفعل ومصر تتكلم، وهذا ليس صحيحا، فالملء الثاني سيكون محدودا نتيجة الفشل الإثيوبي الذريع في استكمال تعلية الممر الأوسط في السد، واجمالي التخزين (بعد اكتمال الملء الثاني) سيدور حول ثمانية أو تسعة مليارات (وليس 18.5 مليار م3 كما كان مخططا). وبالتالي فإن القنبلة المائية التي قد تهدد السودان لم تتكون بعد، كما ان الخيار العسكري في حالة الاضطرار إليه سيظل قائما حتى حزيران/يونيو 2022». وزاد «وفي مقابل قوة الموقف المصري الذي يكسب كل يوم أرضا جديدة سياسيا ودبلوماسيا، في الوقت الذي يحتفظ فيه بجاهزيته للتعامل مع كل الخيارات، فإن الوضع في إثيوبيا يتجه للانهيار بعد الهزيمة الثقيلة والمروعة التي تلقتها حكومة أبي أحمد في إقليم تغراي ومعه كل حلفائه في إريتريا وإقليم أمهرا». وأردف «وهناك إجماع أن فرص إثيوبيا للبقاء متماسكة كدولة قد تراجعت إلى حد خطير، ومن ثم فإنها لن تستطيع البقاء متماسكة من دون معونة غربية كبرى، وهذه الأخيرة لها أطروحاتها وتصوراتها الخاصة ومصالحها، التي لا تتوافق مع تصورات ومصالح أبي أحمد والأمهرا وأفورقي. والوضع الداخلي مفتوح على احتمالات متعددة»
سابقة دولية
وبالنظر لكل هذه المعطيات نجد ان المحصلة هي نجاح السودان ومصر في وضع قضية التنازع حول المياه على طاولة مجلس الأمن في سابقة دولية تعتبر تحولا في القضايا التي ينظرها المجلس، كما انها وضعت القضية بهذا الشكل في أولوية ومعرفة المجتمع الدولي شعوبا وحكومات بطبيعة النزاع بين الدول الثلاث، وهذه الأضواء الكاشفة بالضرورة ستمنع أي عمل عسكري مباشر على جسم سد النهضة، وان الثابت ان إثيوبيا قامت بالملء الثاني فعليا، وان الأضرار السابقة من الملء الأول متمثلة في انقطاع للمياه في الخرطوم لن تتكرر، والراجح ان فيضانات يمكن ان تتجدد في السودان للعام الثاني، والثابت أن الأطراف جميعها ستعود للتفاوض لكن من غير المعلوم ما هو شكله في ظل التعنت الإثيوبي بجهة توسعة مظلة الوسطاء، مع عدم تصريح إثيوبيا رسميا بقبول مناقشة مقترح دولة الكونغو كما أوضحنا أعلاه، ومع ذلك تجدر الانتباهة إلى ان ديناميكيات الداخل الإثيوبي ستلقي بظلالها على مشهد سد النهضة حيث صادفت الأزمة الداخلية في إقليم تغراي مع إعلان الملء الأحادي الأول الذي كان في تموز/يوليو وانتهى في اب/اغسطس واندلعت الحرب في تشرين الثاني/نوفمبر ومع حلول موعد الملء الثاني هذا الشهر لم تعد إثيوبيا هي نفسها إثيوبيا عند الملء الأول بعد تلطيخ صورة أبي أحمد دوليا واستعادة التغراي سيطرتهم على كامل أراضي إقليمهم، فهل ينجح أبي أحمد في تدوير توربينات الكهرباء شهر تشرين الأول/اكتوبر المقبل وفق ما هو مقرر بعد الملء الثاني هذا العام ويستفيد من هذا النصر على السودان ومصر لتقوية موقفه في التفاوض، أم تخذله تفاعلات الداخل الإثيوبي مع التغراي وبني شنغول لرسم واقع جديد يجعل نصر سد النهضة خاليا من محتواه؟ كل هذا متروك للأيام هي من ستجيب عليه حتما.