إدوارد سعيد أم كارلوس راميرز؟!

اخبار البلد - 

 

خصصت أعلى صحف النقد الأدبي في بريطانيا وأميركا صفحات طويلة للحديث عن سيرة إدوارد سعيد الجديدة: «أماكن العقل: حياة إدوارد سعيد» للمؤرخ تيموثي برينان. منذ أيامه الأولى في بيروت ومصر، ثم طالباً في الولايات المتحدة إلى أستذته في جامعتي هارفارد وكولومبيا، إلى دراسته للموسيقى والبيانو، إلى انتخابه عضواً في منظمة التحرير، إلى علاقته بياسر عرفات، واعتماد أبو عمار عليه في شؤون كثيرة، خصوصاً الأميركية، إلى مرضه الأخير مع توقف مفصل عند شخصيته الجاذبة للنساء.
كتبت عن هذا الأمر من قبل. لكن الاحتفاء بسيرة إدوارد سعيد لا يزال مستمراً: «نيويوركر»، «لندن ريفيو أوف بوكس»، «ليتراري ماغازين» وجميع الصحف الكبرى، كلها تحتفي بالأستاذ الفلسطيني. وخلافاً للاعتقاد السائد في الماضي بأن الإعلام الغربي خاضع للنفوذ الإسرائيلي، فإن إدوارد سعيد فرض نفسه وفرض معه رؤيته للقضية الفلسطينية، كما لم تفعل أي شخصية عربية من قبل.
ويُخيل إلي أن الاهتمام الذي أعطته النخب الأميركية له، لم يسبقه فيه عربي آخر سوى جبران خليل جبران، مع الاختلاف الشديد في نوعية الشخصيتين والنتاجين وطبيعة الرجلين وقضاياهما. أقصد الشبه هنا في حجم الاهتمام ومستوى التقدير والإعجاب.
وقد يختلف معي البعض، بل ربما الأكثرية، في أن التأثير الذي تركه إدوارد سعيد على الرأي العام الأميركي والغربي بصورة عامة، يفوق، أو يعاكس كل ما حصل من تفجير الطائرات المدنية، أو تحويل القضية إلى كارلوس راميرز وجماعة «بادر ماينهوف» أو «فرقة اليابانيين الحمر».
قبل أن يصبح إدوارد سعيد مؤثراً في الرأي العام العالمي كفلسطيني، كان قد بنى صورته كمفكر ومؤرخ وأستاذ ومحاضر في آداب العالم. ولم يكن «مثقفاً سماعياً» أو «مثقف جرائد»، بل توصل قبلها أن يكون أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة كولومبيا. وكان قد سبقه إليها أستاذ التاريخ المقارن المؤرخ فيليب حتي. وتذكر الجامعة عن الاثنين، أنهما صخرة عربية لا يمكن تفتيتها بأي وسيلة.
أيضاً فيليب حتي تجاوز ببعيد النفوذ الإسرائيلي، واعتلى أرفع المراتب الجامعية في كولومبيا وبرنستون، حيث توفي. وكانت أهميته الأولى ليست في تدريس تاريخ العرب، بل في وضعه بكل موضوعية وصدق. والمؤسف أن كرسيه في برنستون أُعطي بعد وفاته إلى المؤرخ البريطاني الشهير برنارد لويس، الذي اتهم بالتحيز ضد العرب. وفي اعتقادي أن لويس لم يزور في وقائع التاريخ، لكنه اعتمد الانتقاء منه بنية سيئة جداً.