الاصلاح قرار سياسي يمنع التدخل بالحياة العامة

أخبار البلد -


يبدو أن قدرنا أن نعيش من يوم ألى أخر مع أزمة جديدة تفجرها من حين الى أخر مؤسسات الدولة أو الحكومة وأجهزتها ،بحيث أن المواطن أصبح يستغرب أن يمر يوما واحدا عليه دون أن تنفجر مشكلة تكون مؤسسات الدولة أو الحكومة وأجهزتها هي السبب في خلق هذه المشكلة أو تلك .

والمواطن العادي الذي يواجه جنون الأسواق وتفلت الاسعار دون رقيب أو حسيب من أجهزة الحكومة ، وسط غضب شعبي يتصاعد يوما بعد يوم بالرغم من أنه احيانا يتذبذب صعودا وهبوطا كالبورصة التي يتعامل معها تجار الازمات نتيجة لخوف المواطن على الوطن ، وكذلك المواجهة مع جائحة كورونا التي جعلت البلد يعيش كل يوم بيومه مع بورصة الإصابات صعودا وهبوطا أيضا... واستمرار الازمة المالية للانسان في هذه الأجواء المتعطلة والمعطلة لكل شيء له علاقة بإقتصاد وحياة الافراد والمؤسسات التجارية وخاصة الصغرى منها ، وتحت أثقال هذه الأعباء، وفي خضم هذه المواجهة يبقى " آخرما يهم"  المواطن الاردني العادي التفكير بتطوير النظام..! فمن يخوض صراع بقاء يضع جانبا "الاصلاح السياسي"، خاصة اذا كانت لجنة الاصلاح المعنية بذلك قد تم تركيبها بالشكل الذي تمت عليه التركيبة، التي كان وما زال غالبية الاردنيين يعتبرون مثل هذه التركيبات ومن يركبونها هم أصل البلاء وهم من يحتاج للاصلاح والتحجيم...........! مع التأكيد على أن من يهتم بالاصلاح السياسي وينشغل به ، هم فقط مجموعة النخب والنقابات والاحزاب السياسية العقائدية والنشطاء في العمل العام  وبعض أركان الدولة ،كل بحسب مصلحته والتي ليس بالضرورة تنسجم مع مصلحة المواطن  .

واليوم وبعد هذه الاسابيع تثير تصريحات بعض أعضاء اللجنة الاصلاحية  غضب المتابعين لما يصدر عن بعضهم ، وبالرغم انني فضلت عدم تناول تشكيل وتركيب لجنة الاصلاح سابقا ،لما على غالبية أعضائها من ملاحظات ومنهم بالطبع من تم استقدامه من الاحزاب التي أعتبرت معارضة ذات يوم ،فاننا نجد لغاية الان أن كل ما تم هو حراك إعلامي استعراضي لبعض أعضاء اللجنة  يصيب المستمع أو المشاهد لما يتم "دلقه" من أبواقهم بالغثيان ،بل "والقرف" أحيانا كثيرة ، كما يؤكد هذا الاستعراض أن كل عمل اللجنة وبحسب ما يصدر عن بعض الاعضاء هو حراك في إطار الاستماع  وسيأتي التوجيه لهم لاحقا......!

إن ما لايفهمه بعض أعضاء اللجنة أن الاصلاح هو قرار سياسي ،وأهم ما في عملية الاصلاح ذاتها هو قانون انتخابات يتيح للمواطن الوصول للبرلمان بحرية وشفافية ، ما يؤدي الى تمثيل حقيقي للشعب وليس فرض "ذكور" او"إناث" استَخدموا البلدَ ملعباً ومرّروا كرة مصالحهم على حساب أبناء الوطن مجتمعين ، وهذا يمكن أن يتم وفق أي قانون إنتخابات من القوانين التي طرحت سابقا للنقاش، ولكن الاهم هو منع التدخل بالانتخابات من هذه الجهة او تلك ،بل اننا نرى أن يتم وضع قانون يمنع أجهزة الدولة من التدخل بالعملية الانتخابية ومحاسبة أي موظف مهما كان مركزه في خيارات المواطن كما حصل سابقا ولغاية الان ،واخرها التدخل بتعيين أعضاء اللجنة الاصلاحية ،حيث ثبت أن تدخلات تلك الاجهزة الرسمية هو من افراز نواب ومجالس نيابية ضعيفة كما أن الحرب على الاحزاب العقائدية هو من أفقدها التأثير في الشارع ، وبالتالي كانت النتيجة ان تم افقاد كل العملية الديمقراطية الثقة لدى أبناء الشعب وبالتأكيد بمؤسسات الدولة.

إن حديث بعض أعضاء اللجنة عن عدد الاحزاب التي يجب أن تنشاء في البلاد ،هو تأكيد على أن من يقترح مثل هذه الاقتراحات ،هو أبعد ما يكون عن فهم الاصلاح ، فالاحزاب تشكل وفق توافق مجموعة من الناس على فكرة أوعقيدة أو مصلحة مهنية أو اجتماعية ، ولا يتم تشكيلها أو تأسيسها بقرار حكومي ، ويخضع الحزب من حيث قوته الى مدى أقبال الناس عليه أو الاقبال على برنامجه عند اجراء الانتخابات ،وبالتالي أي دعم سيقدم للحزب يتم وفق قدرته بالوصول الى المجلس النيابي وبحسب المقاعد التي يحصلها وليس كما هو حاصل الان ،واما الحديث عن قوانين الانتخابات ،فأن اجراء الانتخابات على قاعدة صوت للدائرة وصوت للوطن هو الافضل كما نرى، وأن يكون تشكيل القائمة الانتخابية متاحا للافراد والاحزاب مع إتاحة الفرصة للافراد بالترشح فرديا وفق هذا القانون وهو ما ينسجم مع الدستور الذي يطلب المساواة بين المواطنيين .

ان كل ماتم من إفشال للحياة السياسية منذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1990، هو بسبب التدخلات التي كانت تتم في سير العملية الانتخابية،  والتدخل بالاحزاب وتحجيمها وتشويه صورتها أمام المواطن ومنع المواطنيين من الانضمام اليها ، وبالتأكيد أنا هنا أتحدث عن الاحزاب العقائدية المعارضة التي تعرضت لأكبر عملية تشويه وإقصاء خلال العشرينية الاخيرة.

إننا مع المواطن نرقب نتائج قرارات اللجنة وحواراتها واجتمعاتها، ونحن جميعا نستعجل ساعة الهبوط على مدرج التنفيذ لنرى مدى مصداقية اللجنة وقدرتها على الاستجابة لمطالب الناس ،وهي فرصة أخيرة لأنه بعد ذلك لن يبقى هناك من يصدق الدولة بأجهزتها وسيتعمق فقدان الثقة اكثر واكثر، فالبلاد على حَدَّي سيف الاصلاح وإنقاذ البلاد من ازماته ، والاستمرار بشراء الوقت من خلال هذه اللجنة أو غيرها ليس في مصلحة أحد، وما سينتج عن اللجنة سيحددُ مصير البلاد .