قراءة في الموقف الخليجي الجديد حول ضم الأردن.

قراءة في الموقف الخليجي الجديد حول ضم الأردن.


التقط البعض التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي الفيصل ووزير الخارجية الإماراتي آل نهيان بما يختص عملية ضم الأردن والمغرب للخليج العربي بطريقة (لا تقربوا الصلاة..) حيث بدأت بعض الأطراف الإعلامية الأردنية والعربية تنعي الفكرة والأصل وأصبحت تعمل بوظيفة (اللطامة) على هذا الضم الذي لم يتم، وذلك بالرغم من وضوح التصريحات الخليجية الرسمية التي أشارت الى المحاذير والمخاطر من سلق الضم والتعجيل فيه..وتم التلميح فيها لضرورة الاستفادة من التجربة الأوروبية لتلافي هوان الانفصال لاحقا..

وبالرغم بأن تلك التصريحات أوضحت بأن العمل على نجاح ضم الأردن والمغرب يجب أن يكون بالإجراءات وبالسرعة المناسبة التي تضمن دوام هذا الانضمام.. فقد قام البعض بالنظر للأمر كتراجع عن دعوة الضم.. فيما اعتبر آخرون أن الأزمة الاقتصادية العالمية والعربية هي المتهم الرئيسي والمسبب لذلك فيما عزا البعض السبب لتراجع مجلس التعاون الخليجي عن الدعوة بعدما صرح البعض بأن الدعوة كانت وليدة لحظتها ولم يتم استخراجها من الحاجة والمنهج الخاص بمجلس التعاون الخليجي والذي وجد أساسا كنقطة انطلاق للوحدة العربية.

قد يبدو للوهلة الأولى أن الأسباب الموجبة للضم (الاقتصادية والسياسية والأمنية) قد سقطت بالامتحان الأول وبسبب بروز المخاوف الاقتصادية كعامل موحد أو مفرّق.. ذلك السبب قد يكون الحجة التي ساقها المراهنين والمشككين بجدوى الضم من أصله من الفريقين (الضامم والمضموم).. حيث لم يتم مراعاة القياس في كلمات وزراء الخارجية الخليجين أو لم يتم التقاط المغزى الحقيقي من التصريحات حيث كانت بعض الأطراف تنتظر أو ربما تعمل على فتح العزاء لتلك العلاقة المميزة أصلا بين الأردن والمغرب والخليج العربي لأسباب إقليمية بحتة.

وهنا علينا الانتباه بأن الدعوة جاءت والأردن كانت تعيش الوضع الاقتصادي الأصعب وكانت الأزمة العالمية قد تشكلت ووضحت قبل الدعوة التي وجهت لها بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي حيث بدأت المشاورات واللقاءات الممهدة والباحثة لوسائل وخطوات الضم وشملت هذه الخطوات حصر المتطلبات الأمنية والسياسية والاقتصادية الواجب اتخاذها ومقاربتها للحالة الخليجية، حيث تكفلت دول الخليج ضمنيا بالدعم المالي التدريجي والتصاعدي المتماشي مع التجاوب الإصلاحي المطلوب من الحكومتين الأردنية والمغربية وبما يساهم في تخفيف الفجوة الاقتصادية الكبيرة بين كيانات الخليج العربي وبين المجموع العام في الأردن والمغرب.

كان الملف الاقتصادي هو الملف الأسهل في عملية الضم حيث كان من المفترض أن ينتج عن الضم الكامل في المرحلة اللاحقة تحسن تلقائي في المراكز الاقتصادية للأعضاء الجدد بسبب الإمكانية المفتوحة المستقبلية لاستفادتها من الجو الاستثماري العام في الخليج العربي وتوفر فرص العمل الجاذبة للنخب والمهنيين والعمالة الأردنية والمغربية وإطلاق يد المستثمرين الخليجين في الأردن والمغرب للاستثمار الصناعي والسياحي والزراعي والتجاري وفتح الأسواق الغير مشروط بين الخليج الجديد والقديم بما يعني خطوات اقتصادية تكاملية للجميع وبغض النظر عن نسبية الاستفادة في الزمن القريب للضم.

إذا لم يكن الملف الاقتصادي هو الملف الأصعب والأعقد في عملية الضم برغم الأصوات التي خرجت سابقا من الخليج العربي وخاصة من نخب سياسية واقتصادية خليجية رأت في عملية الضم هذه عملية تجارية خاسرة للخليج العربي وهم ممن تقاطعت مصالحهم مع الانفتاح العربي الجزئي في علمية الضم، مع العلم بأنه لم يلحظ من خلال وسائل الإعلام والاتصال الشعبي في الخليج العربي أية ردود أفعال بالمطلق يمكن أن تعتبر بالرافضة لعملية الانضمام حيث لم ترى الأغلبية العامة الخليجية أية موانع اقتصادية في الموضوع أو إضرار على المكانة المالية لشعب وحكومات الخليج العربي ، فالمواطن الخليجي تعايش حتى مع نسبة (أجانب) تفوق النصف من مكونات مجتمعه مثل الكويت وقطر.

في حين سارت معالجة فوارق الملفات الأمنية والسياسية بوتيرة عاقلة وبعيدة عن السرد الإعلامي خلال الشهور الستة للمباحثات الخاصة بالضم.. حيث نظر قادة الخليج العربي لعملية الضم امتدادا واستكمالا للبرنامج السياسي والأمني المنهجي الموضوع في ميثاق المجلس والذي يرى في الأردن كامتداد جغرافي وديموغرافي متطابق مع الكيان الخليجي ومطابق لإثنية وإقليمية الشعب الواحد بالنتيجة، بالإضافة الى الميزة التي تفوق بها الأردن دوما كرأسمال بشري بخبراته الأمنية والعلمية والفكرية وبحيث يستطيع الولوج الى المنظومة النخبوية الخليجية المحركة للتطور الكامل في الخليج العربي ودون رفض من الجسم الحاضن لتطابق (الأصل والفصل) بين المكونات الشعبية.. ليضفي للدول الخليجية قدرا كبيرا يأخذ بالمنظومة الدفاعية الخليجية والعربية نحو الاكتفاء الأمني الذاتي.

ولكن تلك الرتابة في مجريات الضم كانت قبل أن تفتح أزهار الربيع العربي بالشكل الحالي في الأردن مثلا ..فما الذي أشعل الضوء الأصفر بانتظار فتح الإشارة الخضراء أو الحمراء لمرور أو إيقاف عملية الضم بما يختص الأردن بشكل خاص..؟! هنا علينا قراءة المجريات الطارئة على الوضع الأردني والخليجي بشكل متبادل ومتلازم من تاريخ الدعوة وليومنا هذا..

وبتحليل مجريات الأشهر القليلة الماضية نجد أن هناك عدة مخاوف لا بد أنها وجدت طريقها لمراكز القرار الخليجية وهي متولدة من أحداث ومتغيرات احتلت العناوين الرئيسية في المشهد الأردني وأعطته ألوان مختلفة.. حيث أن هذه التغيرات أيضا ساعدت البعض ممن يملكون أجندات تتعارض مع الانضمام في وضع العصا في الدولاب الخليجي المتقدم باتجاه الضم.. حيث نشطت هذه الأجندات وعملت بدهاء وما زالت تعمل على إنهاء مشروع الضم وفسخ العلاقة العضوية الخليجية الأردنية من خلال التشكيك والحشد الإعلامي لذلك .. وهي تيارات ايدولوجية داخلية قد تتفق مع مشاريع خارجية تملك اذرعا داخلية وبحيث قامت بإبراز التناقضات المحلية الثانوية وعملت على مركزيتها وصناعة مكانتها في المجتمع الأردني (حسب نظرية المؤامرة التي أميل لها اليوم أكثر من أي وقت سابق) وبحيث دقت نواقيس الخطر الأمني لدى مراكز القرار الخليجي التي بدأت تشعر بتحول الأردن من سند سياسي امني قوي الى عبء سياسي وامني له تأثيره السلبي على الخليج حسب أبجديات المخاوف الخليجية.

وهنا نقصد بالعوامل المسببة للقلق الخليجي خلال الشهور الستة من تاريخ الدعوة هي المظاهر المتقلبة والغليان اليومي في الشارع الأردني بالإضافة الى التغول الأخواني على الساحة السياسية وتأثيرها على الممارسة الرسمية للدولة الأردنية والتي قد تؤدي بالتالي الى إضعاف الشخصية الرسمية في الأردن، حيث تبدو المخرجات الشعبية ,والأمنيات اليومية للمواطن الأردني تتحد مع مطالب التيارات السياسية الإسلامية السياسية (الإخوان المسلمون) وكذلك القومية واليسارية التي انبرى منهم مجموعة لتدافع عن نظام القمع في سوريا.. بما جعل هذه الحراكات تعمل ضمن حلقة مفرغة وبشكل نشط تبحث عن مسببات لأي حراك مثير بعد اصطدام الجميع بالفراغ.. ( مع عدم إنكارنا لوجود أسباب كثيرة للمطالبة بالإصلاح والحرية والعدالة).

لذا نجد أن مرئيات الخليج العربي الرسمي حول الحالة السياسية والأمنية في الأردن قد اصطدمت بحراكا لم يشابه الحراك العربي الثائر على أنظمته بل بحراكا متواترا تائها والمقصود به هو الحراك بحد ذاته أحيانا.

وعليه فأن الخليج العربي وجد في الحالة الأردنية نقاط حرجة لا بد من فهمها والولوج الى تفاصيلها وتطويعها لصالح الانضمام والاقتناع بالضمانات الكافية لعدم وصول المد (الفوضوي) إليها بل وانتهاؤه من شوارع الأردن بعد معالجة قضايا الفساد المطروحة بقوة ضمن المطالب الشعبية المستغلة والمركوبة من خلال جماعات النهج اليساري وتيارات للإسلام السياسي المتمثل في (جماعة الإخوان المسلمون في الأردن) والتي قد تجد في تلك المطالب وسيلة لاعتلاء منصات القرار في الأردن وهذا ما لا يقبله الخليج العربي بعد التيقن من برغماتية هذه الحركات التي تنوعت ارتباطاتها بين إيران الغرب واليسار وحسب الحالة، بالإضافة الى بروز الشعور بوجوب دراسة التأثير المباشر لتنوع التشكيلة الديموغرافية الأردنية بعد تجنيس عشرات الألوف من العراقيين والسوريين الغير مضمونين امنيا (حسب النظرة الخليجية).


جرير خلف