الضمان الاجتماعي والتقاعد المبكر

اخبارالبلد - 


 
مرة أخرى خلال الأشهر الثلاثة الماضية، يتم الحديث عن التحديات التي تواجهها منظومة الضمان الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص المخاطر التي تترتب على استدامته بسبب توسع المنتفعين في استخدام التقاعد المبكر، ما يؤدي الى استنزاف أموال الضمان الاجتماعي.
من حيث المبدأ، التوسع الملموس في استخدام التقاعد المبكر يشكل تحديا كبيرا، إن لم يكن ثغرة في منظومة الضمان الاجتماعي في الأردن، وعلينا جميعا أن نفكر في كيفية التخفيف من المخاطر التي تترتب عليها.
إلا أن الذهاب باتجاه إجراء تعديلات على قانون الضمان الاجتماعي تزيد من عمر المستحقين للتقاعد المبكر، يتطلب إجراء تعديلات على سياسات أخرى مرتبطة بشكل وثيق بذهاب العاملين والعاملات نحو هذا الخيار، ما يعزز استدامة منظومة الضمان الاجتماعي باعتبارها العمود الفقري لمنظومة الحماية الاجتماعية في الأردن.
هنالك محركان أساسيان يدفعان مشتركي الضمان الاجتماعي نحو التقاعد المبكر غالبا ما تتراوح بين 50 و55 عاما، ضمن معايير محددة مرتبطة بعدد أشهر محدد من الاشتراكات الفعلية، يتمثل الأول في عمليات إنهاء خدمات العاملين والعاملات في هذه السن، التي يصعب عندها إعادة الانخراط في سوق العمل المنظم مرة أخرى، فيضطرون لاستخدام حقهم في التقاعد المبكر باعتباره أقل خطرا على مستوياتهم المعيشية.
الى جانب ذلك، يشكل انخفاض مستويات الأجور دافعا آخر للذهاب نحو خيار التقاعد المبكر، إذ لا تكفي الأجور التي يتقاضاها غالبية مشتركي ومشتركات الضمان الاجتماعي لتغطية احتياجات أسرهم المعيشية، عندها تنشأ الحاجة للحصول على راتب تقاعدي، والدخول مرة أخرى الى سوق العمل -غالبا بشكل غير منظم- بهدف الحصول على دخل إضافي الى جانب رواتبهم التقاعدية. ويكفي أن نعرف أن ثلثي مشتركي ومشتركات الضمان الاجتماعي يحصلون على أجور شهرية توازي وتقل عن خط الفقر المطلق للأسرة المعيارية لتفهم ذلك.
نعم، سن التقاعد المبكر في الأردن منخفضة ولا يمكن الاستمرار بالعمل بها، إذا ما أخذ بعين الاعتبار الممارسات الفضلى في العالم، والاتجاهات العالمية لعمل نظم الضمان الاجتماعي تتجه نحو التقاعد عند سن 65 و68 عاما، ولكن زيادة سن التقاعد المبكر والوجوبي في الأردن تتطلب أخذ الدوافع التي أشرنا الى أهمها أعلاه بعين الاعتبار.
الذهاب باتجاه زيادة سن التقاعد المبكر يتطلب مراجعة قانون العمل باتجاه وضع قيود على عمليات الاستغناء عن العاملين والعاملات في سنة متأخرة من مسارهم المهني، لأن إمكانية دخولهم مرة أخرى الى سوق العمل المنظم تصبح صعبة. ويتطلب كذلك مراجعة سياسات الأجور باتجاه زيادتها، كي يصبح الاستمرار في العمل بشكل منظم ذا جدوى، ويوفر حياة كريمة للمشتركين.
أصرح، منظومة الضمان الاجتماعي تتطلب وضع حد للمستويات العالية للتهرب التأميني، إذ هنالك ما يقارب نصف القوى العاملة في الأردن غير مشمولين في منظومة الضمان، وغالبيتهم من الشباب، وهذا بالقدر الذي يحرمهم من الحمايات التي يوفرها الضمان الاجتماعي للمشتركين، يحرم صندوق الضمان الاجتماعي من إيرادات تدعم ملاءته وتعزز استدامته.
مؤسسة الضمان الاجتماعي بدأت مؤخرا خطوة مهمة لتوسيع الشمول من خلال برنامج مدعوم لضم عشرات آلاف العاملين والعاملات بشكل حر في العديد من الأنشطة الاقتصادية، يتوقع أن يتم تطبيقه خلال أسابيع قليلة، وهي خطوة مهمة نأمل بالتسريع فيها لتشمل جميع العاملين والعاملات.
أي إصلاحات لمنظومة الضمان الاجتماعي يجب أن تستهدف، الى جانب الحفاظ على استدامتها، توسيع أعداد المشمولين في حماياتها، الى جانب توسيع الحمايات التي توفرها، فليس مقبولا أن لا يحصل مشتركو الضمان الاجتماعي على الرعاية الصحية بعد أكثر من 40 عاما على إنشاء مؤسسة الضمان الاجتماعي.