أنت مواطن .. إذاً نحرك اسطولنا من أجلك!


قبل أن تدك الثورات العربية حصون الانظمة، كان المواطن العربي (هل هو مواطن حقاً؟!) قد اشهر استقالته من السياسة، وعزوفه عن المشاركة، ولم يكن ذلك الموقف السلبي الا تعبيراً عن احتجاجه على التزوير ورفضه للانتخابات المصنوعة على عين “السلطة” ويأسه من التغيير والاصلاح وهروبه من مقعد “شاهد ما شافش حاجة” الى مقعد بعيد منزوٍ عن العيون والانظار.

حين استعاد المصري والتونسي – مثلاً – “مواطنته” واستشعر كرامته ونفض عن جلده عباءة الخوف وقف في “الميادين” عاري الصدر، واثق الخطوة واصطف في طوابير الانتخابات لكي يمنح دمه وصوته لوطنه.. فقد انتهت حقبة حزب “الكنبة” وهلت مرحلة “العبور” الى المستقبل الذي يصنعه المواطن لا النظام.

العيب ليس في المواطن العربي، هذا الذي مارسنا جميعاً – بوحي من الانظمة – ضده كل انواع “الجلد” والتأنيب، واتهمناه بالجهل والفهلوة والسلبية، وانما العيب في “السياسة” التي حولت المواطنين الى رعايا، والشعوب الى أتباع مطيعين، وقسمتهم الى طبقات متناحرة، وأخرجت منهم اسوأ ما فيهم.

الطينة التي خرج منها المواطن في الغرب لا تختلف عن الطينة التي خرج منها المواطن في بلدنا، الفارق الوحيد ان ذلك المواطن وجد من يحترمه ويتعهده بالرعاية والاهتمام والتقدير، فانطلق للعمل بحرية، وللابداع بلا حدود وللشعور بكرامته الانسانية في ظل انظمة سياسية تقيم موازين العدالة وتتعهد بخدمته لانها تحتاج اليه لا العكس، وتتصرف باعتبارها مدينة “لصوته” ووجودها مرتبط به، أما في عالمنا العربي فلا شيء أرخص من “الانسان” ولا شيء أسمى من النظام ولا حق للمواطن الا ما تقرره “السياسة” العمياء التي تؤمن بأن هذا المخلوق وجد فقط للطاعة والإذعان.

أمس، بعث لي أحد القراء برسالة يقارن فيها بين ما يكتب على جوازات السفر في الغرب وجوازات السفر التي “يحظى” بها المواطن العربي، في امريكا مثلاً يكتب على اول صفحة بالجواز “حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات المتحدة الامريكية فوق أي ارض وتحت أي سماء” وفي الجواز البريطاني “ستدافع المملكة المتحدة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندي على اراضيها” وفي الجواز الكندي “نحرك اسطولنا من أجلك”.

أما ما يكتب على الجواز العربي فهو “عند فقدان هذا الجواز تدفع غرامة مالية” او “هذا الجواز ملك للدولة ويمكن سحبه او الغاء مفعوله”!.

لا يوجد لدي أي تعليق، ولكنني اتذكر انني قرأت لخالد محمد خالد كتاباً بعنوان “مواطنون لا رعايا”، ولم أكن آنذاك قد هرمت بعد، وقد مضى على تلك الصرخة اكثر من ستين عاماً، ورحل المؤلف لكن “الواقع” الذي كتب عنه لم يتغير.. أما حين اشاهد الآن ما يجري في عالمنا العربي، فيراودني بعض الامل بأن ثمة حلماً جديداً بدأ يشق طريقه الى عالم اليقظة.. وبان ما رآه الاوروبيون بعد “روسو” و”منتسكيو” من ثورات وتغييرات اعادت للانسان “مواطنته” قد نراه في عالمنا العربي قريباً.

باختصار، لا يمكن للدولة ان تستعيد “هيبتها” ولا “للقانون” ان يسمو على الجميع، ولا للنهضة الحقيقية ان ترى النور الا اذا شعر “الانسان”بأنه مواطن يتمتع بحقوقه وكرامته وحريته لا مجرد “نسَمة” او “رقم” في سجلات رسمية لا تتذكره الا عند دفع الضرائب!

اذن، دعونا نعتذر لكل “شعوبنا” التي اسأنا الظن بها، وزعمنا بانها “أقل وعياً من انظمتها السياسية ومن نخبها دعونا نعتذر لها لاننا انتزعنا منها “المواطنة” ثم طالبناها بأن تمارسها وتلتزم بها، ولأننا توهمنا بانها لم تكشف “لعبتنا” الغبية، حتى اذا كشفتها واستيقنا ذلك وقفنا مدهوشين امام “صورتها” الجديدة التي لم نرها من قبلُ أبداً.