عن خمسينية «الرأي».... والحقائق» المُغيّبَة»
اخبار البلد ـ كنّا نأمل... فيما تطوي «الرأي» اليوم خمسة عقود من عُمرها, أن يكون إحتفال بلوغها نصف قرن من الزمان, ليس احتفالاً رمزياً مسكوناً بالغصّة والغضب, على ما آلت اليه أحوال الصحافة الورقيَّة الأردنية, وما هم عليه صحافيوها وكوادرها الإدارية واللوجستية من عنت وتعثّر مادي آخذ بالتعمّق على نحو ينذر بتفاقم حال غير مسبوقة من البطالة المحمولة على عزوف عن العمل الصحافي بمختلف أجناسه وأدواته ومفاعيله...
«الرأي»...حكاية نجاح وقصة صعود مضطرد لافتٍ...تُروى, يصعب إن لم يستحيل على أحد تجاهلها، إن لجهة ما كرّسته في المشهدين الأردني والعربي من ثراء وارتباط وثيق بالقضايا الوطنية والقومية, والإنحياز بلا تردّد لقضايا الأُمَّة وشعوبها في مختلف الملفّات, أم لجهة ما سجّلته من انتشار وتوزيع واشتراكات دون أي دعم حكومي أو ارتباط «تمويلي أو سياسي» بالخارج العربي/الدولي على النحو الذي انزلقت إليه «صحافة» عربية ورقية/مرئية/مسموعة, لا يحتاج المواطن العربي (كما الأردني) لكثير عناء لإكتشاف ارتباطها, خصوصاً ما تبوح به تعليقاتها/تحليلاتها وصياغة الخبر فيها, أو «نوعية» ومستوى مَن تستضيفهم أو تجري المقابلات معهم وخصوصاً تَستكتِبهُم.
من هنا يأتي انتقادنا بل عتبنا الشديد على «مواقف الحكومات الأردنية المتعاقِبة» منذ أزيد من عشر سنين، عندما بدأت مسيرة «تعثّر» الصحافة الورقية, ليس فقط في أن معظم بل كل ما وعدت به لم يتعَد «الكلام» الذي لا رصيد له، بل ودائماً في أنها دأَبتْ على تحميل الصحف إدارة وتحريراً, مسؤولية ما حدث من تَراجُع في التوزيع والإعلانات والمداخيل, بذريعة وتبريرات لا تصمد أمام الحقائق الموضوعية, وخصوصاً في التدخّل الحكومي المباشر في شؤون تلك الصحف, بذريعة أن مُؤسسة الضمان الاجتماعي هي المُساهِم الأكبر في صحيفتي «الرأي» و«الدستور»، ما سمح لها بممارسة أنواع مختلفة من التدخّل ليس بينها أي تدخّل «ناعم»... بمعنى أنها باشرت «فرض» أغلبية النصف زائداً واحداً على مجلس الإدارة, ما عنى تعيينها رئيس ونصف أعضاء مجلس الإدارة (أي الأغلبية القادرة على تمرير/فرض أي قرار تَروم).
هذا أيضاً... ينسحب الأمر على قرار تعيين رؤساء التحرير, ولنا في العدد الكبير من رؤساء التحرير الذي تعاقبوا على «الرأي»..»عِبرة» في الكيفية التي يتم التدخّل في شؤون الصحافة الورقية, ثم يأتي من يقول لنا «أن الحكومة لا علاقة لها بما يجري لديكم, «وقلّعوا» أشواككم بأيديكم»...دون رغبة منها في الذهاب بعيداً بـ"التدقيق» والوقوف على مدى مهنية وقدرة هؤلاء في النجاح بالمهمة التي أَوكلتْ «الحكومات» اليهم النهوض بها, وما إذا كانوا يعملون للصحيفة وديمومتها؟ أم أنهم اهتمّوا بمصالحهم وعلاقاتهم ومكاسِبهم الشخصية؟.
أُدرك أن سوْرة غضب عارمة تستبِد بي, بسبب الحال الصعبة والخطيرة التي هي عليها الآن الصحافة الورقية ومنها خصوصاً «الرأي», التي ما أزال وزملائي نأكل من «خيرها» الآخذ في التقلّص والتبدّد, إذا ما واصلت الحكومة تجاهُل النداءات المُلحّة بانقاذها من مصيرها المحتوم. لكنني في الآن ذاته لا أعتقد أن مواصَلة «الصمْت» وابتلاع الألسنة, هي الوسيلة الوحيدة لإسترضاء الحكومات...الحالية أم تلك التي سبَقت, لأن الوقت على وشك النفاد واحتمالات أن يستفيق الأردنيون ذات صباح يوم بلا «الرأي» بين أيديهم...إذ لم يعُد السؤال «هل»؟ بل «متى»؟.
كل عام وأنتم بخير...وأحسب أن «الرأي» رغم كل ما حدَث لها ويَحدث الان وقد يَحدث لاحقاً, ما تزال تمتلك القدرة على الصمود, أقلّه في إصرار عشرات الزملاء إدارة وتحريراً على تحدّي الظروف الصعبة...ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.