الأردن وأميركا يواجهون نتنياهو
اخبار البلد - د. محمد حسين المومني
تداعيات معنوية وأمنية كبيرة، وتغييرات في معادلات الردع تمخضت عن المواجهة الاخيرة بين اسرائيل والفلسطينيين، ثمة اخرى مهمة وعميقة سياسية قد تؤثر بشكل مفصلي على استمرار نتنياهو بالحكم. اردنيا، الحال ملفت ومهم. سنوات من انعدام الثقة بين الاردن ونتنياهو اوصلت العلاقة مع احد اهم الدول لإسرائيل للحضيض، ولا يبدو نتنياهو آبها بما تقوله له مؤسساته. التعامل مع الاردن وكأنه مضمون وبالجيب دفعت التفكير السياسي الاردني لأن يسير باتجاه تذكير كافة المعنيين بدوره وثقله وقدرته على التغيير والتأثير. حدثان مهمان لا يجب ان يمرا دون تمحيص عن كل ذي بصيرة: عدم الاعتراض على المسيرات نحو الحدود دون الاقتراب منها، والسماح بإقامة مؤتمر جماهيري داعم للمقاومة. بالإمكان فعل المزيد، ولكن هذين الحدثين فقط يبعثان برسائل قوية جدا بقدرات الأردن وأهميته الاستراتيجية، وانه ليس دولة يمكن ان تأخذ مواقفها كمسلمات وبالجيب. الأردن وبالعمق يؤمن بالسلام والتسوية وملتزم بالمعاهدات والتفاهمات، لكن لا يمكن له ان يفعل ذلك اذا شعر بالتهميش او ان مصالحه لا تؤخذ على محمل الجد. الأردن لا ينافس احدا ولا يطرح نفسه بديلا لأحد، لكن مصالحه يجب ان تصان وتكون حاضرة في اي نقاش، وان لا يفكر أيا كان مجرد التفكير بأخذ مواقفه كمسلمات مضمونة. لدى الأردن اوراق اكثر وأشد خطورة يمكن استعمالها، لكن الامل ان تكون رسالته بعدم الاستخفاف بمصالحه قد وصلت والمعني الاساسي بها نتنياهو.
موقف الادارة الاميركية مما جرى كان ايضا مليئا بالمعاني السياسية تعارض تماما قناعات نتنياهو وخطابه المعلن. الموقف الذي وصف بالمتزن والمحترم والاخلاقي انحاز انسانيا لمعاناة المدنيين الفلسطينيين، واكد ان الصراع غير مستدام ولا بد لحله من دعم والسير بحل الدولتين. ادارة بايدن صديقة لإسرائيل ولا جدال بالمطلق حول ذلك، لكن موقفها من أحداث العنف الاخيرة، وضغوطها التي مارستها على نتنياهو، واذعان الاخير لهذه الضغوط، وخطابها السياسي المعلن الذي شكل كابوسا لنتنياهو، كلها كانت تشير الى ادارة تعي ما تفعل، وهي وبالرغم من ان الشرق الاوسط ليس على رادار سياساتها الخارجية، الا انها تدرك ثقلها في ملف الشرق الاوسط وامكانية حصد جائزة نوبل للسلام فيه. لا احد يتوقع اشتباكا اميركيا على غرار كارتر او كلنتون او اوباما-ميتشل، فاللحظة مختلفة، ولكن الموقف الاميركي المتزن سيكون له اكبر الأثر داخل اسرائيل، والتوقعات تشير الى الحساسية والتأثر الشديد من قبل النخبة الاسرائيلية للمواقف الاميركية، ما يعني ان نتنياهو سياسيا وانتخابيا سوف يضعف ويتقهقر، وقد تكون بالفعل ايامه السياسية على وشك الانتهاء. نتنياهو منتخب ديمقراطيا ولن تستطيع ادارة بايدن ازاحته إلا اذا قرر الناخبون ذلك، لكن ثقل اميركا السياسي لدى قادة الرأي والساسة في اسرائيل ستجعلهم يلتقطون الرسالة بضرورة التغيير، وان قيادة جديدة افضل لمستقبل العلاقات مع اميركا بعد سنوات عجاف من حكم نتنياهو أججت خطاب الكراهية وانحدرت بحال الشرق الاوسط. هذا افضل ما قد تقوم به الادارة الاميركية في هذه المرحلة: المساهمة ما امكن بتغيير ديمقراطي في قيادة اسرائيل وايا كان البديل فلن يكون بسوء وكراهية نتنياهو.