خريف دموي يطرق الأبوب والحكومات في غياب ..!!

اخبار البلد - صالح الراشد


الربيع العربي قادم لا محالة ولا يمكن تغطية شمسه بغربال التسويف ونهب الشعوب وسرقة مواقفها المشرفة، كون الظروف الحالية للأمة العربية تتشابه مع الخريف الدموي القاتل الماضي، فالفساد منتشر والحريات مقموعة والأصوات مكتومة وتزايدت الإتفاقيات الحكومية المشبهوة، وبوصلة تائهة إن لم تكن ضائعة وتسابق محموم على التطبيع مع العدو الأول للأمة جمعاء، وتخلى حكومات عن قضية الأمة والتعامل معها على أنها قضية ثانوية والتبجح بهذا الرأي السقيم، وبرز الإختلاف بين موقف الحكومات والشعوب في العدوان الصهيوني على فلسطين، حيث أظهرت هذه الإختلافات إختلالات كبيرة بين حكام التنديد والشجب والإستنكار والشعوب التي ملأت الشوارع والساحات والميادين مطالبة بموقف قومي مُشرف، وهذه الأمور مجتمعة ساهمت في تشكيل تهديد قوي لأنظمة الحكم وقدرتها على البقاء وللشعوب وقدرتها على الحفاظ على حياتها ونهجها.

ولا يمكن تجنب الخريف القاتل القادم إلا بترتيب الأمور بين طرفي المعادلة وهما مؤسسات الحكم والشعوب، بحيث يصبح الحكم مشتركاً بينهما بتقليص صلاحيات مؤسسات الحكم لحساب حرية الشعوب حتى ننجو وننجو جميعاً، كما يجب أن ترفع مؤسسات الحكم أياديها عن حماية الملوثين والفاسدين لتتم محاسبتهم حسب القوانين، عدا ذلك فإن الإختباء وراء القوة العسكرية لن يُجدي نفعاً في إذلال الشعوب التي تعلمت الدرس بأنها قادرة على إحداث التغيير، وستُعبر هذه الشعوب عن نفسها بكل قوة سعياً لحريتها المسلوبة بعد أن فقدت دورها في صناعة قرارات الدول، لتجد أنه لم يتبقى لديها ما تخسره حيث تساوى لديها معياري الموت والحياة ، لذا فالعاقل من يحسب خطواته قبل أن تُحسب عليها كون الايام القادمة ستكون صعبة على الجميع.

ولن تبتعد الايادي الصهيونية عن العبث بالربيع القادم لتحويله إلى خريف دموي، وستعمل على شيطنة أصحاب الفكر الناهض والتحريض على الخلاص منهم سواء أكانوا من أبناء الشعب أو أعضاء في الحكومات، كون الصهاينة يبحثون عن إنشاء وتثيبت حكم الدكتاتوريات المطلقة في الوطن العربي، لتفرض هيمنة قرارها بسهولة ولتسيطر على القرار العربي بالتلويح بحماية الحكم أو تغيره، وتتشابه أحوال اليوم بالماضي في عديد الدول حيث تتزايد أعداد المعارضين الساعين لتحسين أوضاع الشعوب بتعديل القوانين الجائرة، والتي حولت الشعوب إلى عبيد وجعلت أعزة الناس أذلة، كون القوانين تُكرس للحكم الإستبدادي، لنجد أن الشعوب تئن بصمت دون صراخ خوفاً من سياط الجلادين التي ارتفعت في الهواء بإنتظار أن تهوي على الجلود الهشة لشعوب أضعفتها الإنقسامات الداخلية والحروب الخارجية المُشتركة .

لقد أصبحت المعارضة ترتعب من شدة الحساب والعقاب لتنكفيء على نفسها وتتموضع في مكانها، لنجد أن منها من غادر بلاد العرب إلى بلاد الغرب التي أصبحت وطناً حنوناً يحتضنهم ويدافع عنهم، بعد أن نبذتهم بلادهم وتعاملت معهم على أنهم خارجين عن القانون، لتُصبح بلاد الغرب الحلم الأبرز لشباب الأمة وحتى شيوخها بعد أن ساهم القهر الذي مورس على الشعوب بجعل العقلاء يصمتون خوفاً ورعبا، في وقت أصبحت فيه المجتمعات بأمس الحاجة لهذه الأصوات العقلانية التي تريد نهضة الأوطان وليس تدميرها، لكن القمع جعل هؤلاء يختفون ويحل مكانهم من يبحثون عن الدمار كخيار أول، لينحصر الصراع بين عنصرين لا يهتمان لأمر الوطن كون سيد كل منهما أهم وابقى "حسب وجهة نظرهم” من جميع حقوق الإنسان ومعايير البقاء، لتتهاوى بعض الدول وتصبح الأخرى على المِحك.

وقد تحتاج الدول العربية إلى معجزة كبرى من أجل النجاة من الربيع القادم في ظل غياب الحلول العقلانية التي تساهم في تحسين أحوال المجتمع، فلا محاربة حقيقية وجادة للفساد ولا ضرب على أيدي المتغولين على الشعب والسلطة، فيما تبحث الحكومات عن طرق للنجاة بزيادة تقديم التنازلات للقوى الصهيوأمريكية على أمل أن تمد في أعمار قيادتهم، متناسين أن القوة الحقيقية تأتي من خلال خدمتهم بإخلاص للشعوب العربية الأبية والتي احتملت ما لا تحتمله شعوب العالم أجمع، لنجد ان الربيع العربي الحديث سيكون خريفاً قاتلاً لأي دولة يحط رحاله فيها، وأقول لأصحاب القرار في شتى مناطق وطننا العربي الكبير:” أن الذكي يتعلم من خطئه والحكيم يتعلم من خطأ غيره فيما الغبي لا يتعلم أبدا، والأوضاع في عصر كورونا لا تحتاج للأغبياء كونهم سيكونون النار التي تُشعل الفتن”.