إلى أين بعد اشتباك غزة..؟

اخبار البلد - علاء الدين أبو زينة


أعاد رد فعل المقاومة الفلسطينية الأخير في غزة شيئا من الروح الانتصارية الغائبة منذ زمن بعيد إلى الفلسطينيين والعرب الذين اعتادوا على الهزائم المتكررة. وليس الأمر أن الفلسطينيين ألحقوا ضرراً مادياً وعسكرياً متكافئاً مع العدو، وإنما أظهروا فقط أن لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم والتوحد معا وإيقاع أذى مادي ومعنوي بالعدو. وكان من الملفت خروج أنصار الفلسطينيين والإنسانية إلى الشوارع في كل أركان العالم للتعبير عن التضامن، بما أثبت فكرة أن العالم يحترم المقاومة المحقة، مهما كان شكلها، للشعوب المحتلة والمضطهدة. كما أجبرت المقاومة الحكومات في الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على التدخل والضغط على الكيان لوقف عدوانه غير المتكافئ على الفلسطينيين. ولعل السؤال الذي يبرز وسط النشوة الآن هو: ماذا بعد بالنسبة للفلسطينيين؟ إلى أين يمكنهم أن يذهبوا من هنا دون أن يعودوا إلى الوضع السابق؟


أولا، أكد الاشتباك الأخير ونتائجه المباشرة والممكنة على أن الكفاح المسلح هو العنصر الأكثر أساسية في أي نضال سياسي وتفاوضي يأمل في تحصيل تنازلات من عدو قوي. وأثبتت نتائج عقود المفاوضات مع العدو من موقف الضعف المطلق والخطاب السلمي الصرف عدم جدوى التعويل على النظام الدولي ووساطة الولايات المتحدة والدعم الخطابي العربي لحل المشكلة الفلسطينية بأي طريقة تقترب من العدالة. وقد كسبت القيادة الفلسطينية الحالية قبولها لدى العدو ورعاته وحلفائه كممثل للفلسطينيين بمؤهل تجريد نفسها وشعبها من أي أدوات للدفاع عن الأرواح والممتلكات والمواقف والحقوق. ويطرح الموقف الأخير السؤال حول إمكانية تكيف هذه القيادة مع الموقف الجديد الذي تناقضت معه جذرياً في الخطاب والعمل، وأعلنت عداءها للنضال المسلح إلى حد التعاون مع العدو في إجهاضه.


الآن، يصعب تصور إمكانية تسويق خطاب السلطة المألوف على الفلسطينيين، والذي سيعتبر إهداراً لتضحيات الفلسطينيين وكرامتهم. كما يصعب تصور التحاقها بالركب الذي تخلفت عنه. وأصبح المطلوب تكوينا قياديا فلسطينيا يستطيع تحقيق فكرة التكامل بين جناح سياسي وآخر عسكري للحركة الوطنية الفلسطينية، مثل كل حركات التحرر من الاستعمار.


ثانيا، من المعروف أن الأنظمة العربية لم تقدم أي شيء من الأدوات المادية واللوجستية والفنية التي مكنت المقاومة في غزة من الدفاع عن نفسها والاشتباك دفاعا عن القدس والأقصى. وإذا كان المواطنون العرب يرون في فعل المقاومة الأخير في غزة سببا لاستعادة الكرامة وتقوية الموقف الفلسطيني والروح العربية جميعا، فينبغي الالتفات إلى الفاعلين –من الدول وغير الدول- الذين أتاحوا للفلسطينيين هذه الوسائل وشجعوهم على المقاومة. ويقتضي ذلك حُكماً الاسقاط النهائي لمشورة الدول العربية التي أصرت على نزع سلاح الفلسطينيين وقبلت بالمستعدين للتنازل ونبذ المقاومة وضعاف الصوت كممثلين له وقادة لمسيرته. وعندما أضعفت هذه القيادة الفلسطينيين تماماً، سحبت الكثير من الأنظمة العربية حتى دعمها الكلامي، وأسقطت شرط مبادرة السلام العربية للتطبيع مع العدو من دون جلب أي شيء للفلسطينيين، في ازدراء مطلق لأحلامهم وقضيتهم.


لذلك، على الفلسطينيين أن يعمقوا تحالفهم مع الجهات التي زودتهم بأكثر من الكلام، وزودتهم بالتقنية والأدوات التي تؤلم العدو وترغمه على تغيير حساباته وتوقع رد من الفلسطينيين على تعدياته. وينبغي أن يغلق الفلسطينيون آذانهم عن أي صوت ينصحهم بتسليم أنفسهم ووسائل دفاعهم والتنازل عن حقوقهم التي كفلتها لهم القرارات الدولية نفسها. وينبغي العودة، على الأقل، إلى المطالبة بالأراضي المحتلة العام 67 كاملة مع تفكيك المستوطنات التي لن تنشأ بوجودها أي دولة قابلة للحياة، بالإضافة إلى الحقوق التي نصت عليها القوانين الدولية بشأن اللاجئين، وكل العناصر السيادية للدول الحرة.


وبعد أن أظهرت وحدة الفلسطينيين ضرورتها الوجودية في الصراع مع العدو كشرط لتحقيق أي توازن معه، ينبغي طي الرايات الفصائلية التقسيمية ورفع العلم الوطني وحده، وعزل الأصوات الفئوية وأي مشاركين على أساس التنافس على الرئاسات والامتيازات والمكاسب والانفصال في القصور عن ميادين الاشتباك. ويتطلب ذلك تشكيل أطر تمثيلية جديدة كلياً بإشراك الفلسطينيين، في الضفة وغزة والداخل والشتات، لتنسيق عمل سياسي وعسكري متكامل وواضح الوسائل والغايات. ويجب أن يتحدث العالم مع صوت واحد يمثل الفلسطينيين ويعكس مصالحهم ويكون مستعدا للتنحي عن طيب خاطر إذا عجز عن تحقيق تقدم ملموس على طريق حرية الفلسطينيين.