حارة الدراما في الشام

أخبار البلد- بقلم فراس الور

مازلت اسمع صوته يصيح من بين صفحات السيناريو لموسمه الاول، رجل شامي ذو بشرة بيضاء و ثوب ابيض مطرز بالاسود، و حطة بيضاء تتدلى من كتفه، و وجهه عابس يقف بمنزله و يرى اولاده يجلسون لتناول طعام الافطار بينما تهم زوجته بتحضير المائدة ، يقترب من الطاولة و هو يصيح "يا ام عصام، بسرعة تاخرنا على زباين المحل"، تاتيه الاجابه من زوجته "يالله ابن عمي، دقيقة و بكون كل شيي جاهز"، يساله ابنه الشاب "يابي ما بدنا انسكر المحل بكير علشان..." يقاطعه الاب منفعلا "يا عصام يا ابني لكل شي اصول، ما اجه حدا او عزمنا عالعرس زي بائية اكبارية الحارة، يا ابني المثل بيؤل يا رايح من دون عزيمه يا امئلل الإيمه، سكرلي على هالموضوع هلأ..."

و في سيناربو آخر في منزل آخر بحي الدراما في دمشق... يقف و الحيرة تربكه من ما نصحه به صديقه المخلص، فيسال ذاته و هو يفتح باب شقته "انا اسهر بره الببت للحدعش بالليل و اجي و على قميصي خط حمره شفاه فاقع الون؟" يضحك قليلا، "اي يمكن تزبط هالمره او اشوف الغيري بطق من عيونها لهنا،"...يدخل الى شقته ليرى زوحته جالسه امام التلفاز فتقول له "جميل حبيبي امنيح الى اجيت، بس أبل ما احضر المايده بدي اسالك على هالورقة الي لائيتها بجيبة الئميص، مليانه شعر او غزل لواحد بحب وحده، ليه ما ألتلي بتحب تكتب خواطر، صاحبتي ابتشتغل بمطبعة، يالله جمع ديوان كامل او منطبعلك خواطرك... " تتغير ملامح وجهه و يغضب و يقول "سكرت نفسي، اكلت سندويشات فول بالمكتب جابتلي اياهم وردي معها من المطعم...بدي اروح نام!"

و في مشهد خارجي من سيناريو بشارع من شوارع حي الدراما يجلس رجل على كرسي بكراج لتصليح السيارات يشرب الشاي، بينما ترتسم على وجهه علامات عدم الرضا، فينظر الى الميكانيكي و هو يعمل على اصلاح سياراته و يقول "يالله يا معلم، امن الصبح هال التكسي عطلانه او ماستفتحنا حتى ..." فيرد الميكانيكي "ايه طولي بالك اشوي يا ابوجانتي، الاربع بريكات بدون تغير...شو بنا...كاين تضرب بريكات لما الصاجه تبعت لبريك انهرت...شغلنا سغل الست عالدرج برضو..." يجيب ابوجانتي باستهزاء..."ايه بتسلم عليك الست او بتقولك خف ايدك اشوي..." بدنا انشغل و نئول يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم..."....

في حي الدراما تسمع من حين لآخر اصوات البعض و هم ايضا على خشبة مسرح الحي...يقف بطل المسرحية و هو يحمل اولاده الصغار على صينية تشبه صينية الحلويات، و يحاول اقناع احدهم ليشتري اولاده، فيجن الرجل للفاجعة التي امامه ليجيبه اب الاولاد "مش احسن من انو قلبي ينحرق على ابني و هو مشتهي حبة جاتوه عليها كريمه او انا مش آدر اشتريلو اياها"...عمل يطرح به غوار الحي اجمل المسرحيات الناقده حينما قال كاسك يا وطن...و في سينما حي الدراما مازال التصفيق حار منذ عقدين من الزمن و تسمع اصداءه لايامنا المعاصرة...و هي لرجل كتب تقرير به كل مطالب الناس و مشاكلهم بعد استبعاده من وظيفة حكومية لها وزنها، و حينما ذهب الى استاد للكره ليقول لهم ان التقرير جاهز كانت نهايته المؤلمة....

دراما جميلة كانت تمتعنا بها الشام بايام كان بها البال مرتاح و الانفس صافية تجاه بعض...ايام هانئة كان المرء يضع فيها راسه على الوساده و يخلد الى النوم بالليل ثم يستيقظ بالصباح ليهم الى عمله ليسترزق في شوارع آمنه، ايام فجاة انتهت كالحلم الجميل من حياتنا ليكتب الزمن بعدها سيناريو خارجي لبلد حي الدراما بشع جدا فيه الحروب و اراقت الدماء و كارثة كبرى ادمت قلوبنا حزنا و ذرفت لها اعيننا الدموع المريرة، كابوس حرب طال بقاءه في بلاد الشام الى ان خفنا ان نفقدها بعروبتها الاصيلة و ان نستيقظ على احداث تحمل بطياتها اخبار موجعة عن وحدتها كبلد...سيناريو بشع كنا نرى فيه التعاسة و مئات الالوف من المهجرين يسكنون العراء لا يعزلهم عن حم الصيف و برد الشتاء القارص الا خيم رقيقة تتمايل مع كل هبة هواء نشطة...عيل فقيرة معدومة الحال تحت رحمة اعانات قد تصل بميعادها و قد لا تصل...اطفال و نساء و شيوخ تصرخ من الجوع و العوز باكين على ايام كانوا فيها مرتاحي البال في بلادهم الغالية، الى متى يا زمن ستسكت عما فعله الدهر بعروس العروبة... متى سينتهي هذا السيناريو الذي اصبح كابوس مرهق، الا يكفي؟

في حي الدراما الشامية سيناريوهات كثيرة تنفذ، و قد تكون سعيدة تارة تحمل معها الضحكات و السعادة و المواقف الطريفة للمشاهدين، و قد تكون تارة حزينه تخبر قصص الكفاح و الصمود لاجل لقمة العيش، بعض منها يكتبها زمن غدار و دوار لا يرحم اطلاقا لا وزير و لا غفير و لا طفل يرضع بالسرير... يخط من دون رادع باقتدار اغرب القصص و الاحداث، فتمضي الايام و الاشهر لتتغير امور كثيرة بحياتنا بسببه، و بعض من هذه السيناريوهات يكتبها انام يتمتع بمخيلة خصبة و جميلة، و لكن الفرق بينهما جوهري لان الانام يعلمون كيف يقولون كفا خصوصا حينما ينتهي التصوير من كل مشهد، ربما يكون المشهد طوله خمسة دقائق، او ربما في بعض الاحيان ربع ساعة...لكن له نهاية، فالمخرج ينهي تصويره بكلمه "ستوب" او "فركش"....و لكن الدهر يطيل علينا المشاهد في الكثير من الاحيان، و علينا ان نتحملها بصبر و ايمان اذا كانت المشاهد حزينه و مؤلمة، الا يجدر ان يقول الدهر ستوب لما يحدث بالشام...كفا فالناس تحملت الكثير...

في حارة الدراما بالشام ستستمر السيناريوهات و المشاهد، و سيستمر التصوير بالشوارع و الاحياء و المنازل، سنرى الاعمال الجميلة و ستستمر حركة السينما و المسرح و المسلسلات لطالما نبض هذا الحي و شوارع الشام الغالية بالحياة بإذن الله....و رغم ما يكتبه الزمن...و رغم ما يفرضه علينا الدهر...فبالنهاية نحن نملك الخيال و كيف نصوره...و نستطيع ان نتحكم بالدراما كيفما نشاء...لدينا ما نملكه بعكس سيناريو الزمن الذي تملكه الحياة و لا نعلم متى تتوقف المشاهد الحالية، و لكن لنا رجاء برب رحيم ان تبدا مشاهد اجمل للشام بالقريب العاجل...لنا حلم هو ان نصور مشهد عوده السلام للشام من جديد...ساتفائل و اكتب على الكلاكيت الآتي....مسلسل عودة السلام للشام...مشهد رقم ١...اول مرة...هدوء...كاميرا رولنغ.