كيف نتذكر ونستذكر في المقام والامتحان؟
اخبار البلد ـ الذاكرة والتذكر حسب عالم النفس واستاذ الاقتصاد السلوكي دانيال كانيمان وظيفة النظام العقلي الأول الجاهز / العاجل (System1) ويقوم جزء كبير منه على الارتباط (Association) فعندما نذكر معلومة فإننا نستدعي أخرى مرتبطة بها، فإذا ذكر أحدهم أمامك دلسبس فإنك تتذكر قناة السويس فورا. وإذا ذكر آخر تأميمها فإنك تتذكر أو يستدعي عقلك الأول عبد الناصر الذي قام بذلك، وهكذا. ويعتبر الفيلسوف والمفكر الاسكتلندي ديفيد هيوم أول وأكثر من بحث في هذ الموضوع، فقد ألف كتابا فيه نشره سنة 1748 قلّص أو لخص فيه مبادئ الارتباط (Association) في ثلاثة أمور وهي: التشابه؛ والقرب الزماني أو المكاني، والعلية (السببية). وقد أضاف إليها علم النفس المعاصر الكثير. ومن ذلك أن الفكرة التي نتذكرها أو نستدعيها قد تكون مجردة، أو جامدة (فيزيائية) أو اسما، أو فعلا، أو صفة، أو قبضة يد.
صار علماء النفس اليوم ينظرون إلى الأفكار كعقد (جمع عقدة) في شبكة شديدة الاتساع تسمى بالذاكرة الارتباطية حيث كل فكرة مرتبطة بأفكار كثيرة، وأنماط مختلفة من الارتباط ، فالأسباب مرتبطة بالنتائج؛ والنتائج بالأسباب (فيروس- رشح) والأشياء ترتبط بخصائصها (العشب – أخضر) والأشياء أو المواد بالفئات التي تنتمي إليها (الموز – الفاكهة) مما يوجب على العاملين في إعداد المعلمين والمعلمات الاستفادة من ذلك في إعدادهم ليستخدموا الأساليب المبنية عليها أو المشتقة منها في التعليم.
الاختلاف بين فكر هيوم وعلماء النفس اليوم أن العقل لا يفكر تسلسليا أي بسلسلة من الأفكار التي نعيها واحدة واحدة في كل مرّة. إن الفكرة التي تنشط في عقولنا أو تثار فيها، لا تستدعي فكرة أخرى فقط، بل تثير فينا سيلا من الأفكار تثير بدورها أفكارا أخرى في الوقت نفسه.
وبالإضافة إلى ذلك فإن قليلا من الأفكار المنشطة للتذكر تبقى في الوعي لأن معظم التفكير الإرتباطي صامت أو خفي عن النفس الواعية. يستشهد كانيمان بفكرة الأكل (EAT) التي قد تخطر على البال سواء كنت واعيا أو غير واع لها فإنك سرعان ما تتعرف على كلمة شوربة (Soup ) سواء نُطقت همسا أو دون وضوح. وعندئذ لا تصبح مستعدا لفكرة الشوربة فقط ، وإنما لجملة كبيرة من الأفكار ذات العلاقة بالطعام، بما في ذلك المعلقة والشوكة، والجوع، والسمنة، والحمية، والبسكوتات… إذا كنت في جلسة على طاولة فخمة في وجبة حديثة فإنك قد تفكر بطاولة مثلها.
ولمبدأ الارتباط تداعيات إدارية وسياسية كثيرة، ومن ذلك تحديد حدود دوائر الانتخاب، أو مواقع صناديق الانتخاب، فمثلا إذا كنت تريد دعم المدارس ماليا فإن إقامة الدعوة للمتبرعين في المدرسة أفيد، وتشجع على تبرع المزيد منهم بالمزيد. لكنك إذا أقمتها في مكان آخر فقد لا يحضر أو لا يتبرع أو لا يحضر أحد. لماذا؟ لأن المتبرعين يصبحون أكثر استقلالا أو ابتعادا بغياب المحفز الارتباطي. إن اللقاء أو التصويت لزيادة مخصصات التعليم في مدرسة يجعل المخصصات المطلوبة تزيد مما لو تّم اللقاء أو التصويت في مكان آخر لأنه لا يوجد ارتباط بين التبرع والمكان (Associative Trigger).
***
القلم أو الريشة قناة يسيل منها الفكر واللون النابعان من العقل، فإذا كان مشغولا ظل السيل متدفقا. وإذا كان فارغا لا يشغله شيء منها جف.
أما مصدر النبع فهو الانغماس في أعمق أعاميق الحياة الإنسانية، والقراءة أو التعلّم الدائم من أعظم الكتب. والقراءة نوعان: قراءة فاعلة، وقراءة منفعلة. بالقراءة الفاعلة يكتسب القارئ المعرفة والمتعة وقد يبلغ حد الحكمة بعد هضم ما يقرأ وتعدينه واستخراج تراكيب ( درر) جديدة منه متعددة الاشكال والألوان، وهي القراءة الأقل في العالم.
أما القراءة المنفعلة فتكفتي بالمتعة، وهي القراءة الأكثر أو الدارجة في العالم.
وللأسف وسوء التعليم والخلف والعلف لا تنشئ المدرسة عند الأطفال والجامعة عند الطلبة أيا من القراءتين، وهو ما يفسر التصحر الثقافي الذي نعيش فيه، وإن كنا لا نشعر بالإنترنت به.