العنف الجامعي بين الأسباب والحلول!
د. أحمد فايز الزعبي
الحقيقة المرة هي انه لا نكاد ننتهي من حكاية تسْرَد أو خبر يُنشر عن العنف الجامعي وأشكاله حتى تلمح أعيننا حكاية أخرى ترويها الصحافة عن مشاجرة نشبت بين فريقين أو عشيرتين، تكون أصل المشكلة في منطقتهم ولا يجدون إلا الجامعة كساحة للمواجهة بينهم دون أدنى مراعاة لكل من المصلحة الأكاديمية أو حتى مشاعر الآخرين على الصعيد الإنساني. وفي اغلب الأحيان تكون المشكلات عائدة إلى أسباب لا تستحق أن تذكر، فعلى سبيل المثال واسمحوا لي هنا بان اذكرها بأبسط الكلمات وهي كصدمة كتف غير مقصودة أو جحرة عين أو غيرها من الأسباب حتى لو كانت مهمة، فهذا هو النشء الذي عليه تعتمد الأمة في بناء مستقبلها ورفعتها الذي يجب عليه التعامل مع القضايا بأسلوب راقي وحضاري مسؤول.
أتساءل هنا: هل كانت شيوعية التعليم هي السبب وراء ما نراه من عنف في الجامعات؟ فكما تعلمون أعزائي القراء أن التعليم قد طرق أبواب جميع الأردنيين بكافة شرائحهم ومستوياتهم، وقد كان المنتظر من هذه الشيوعية في التعليم عندما حرص الهاشميون على أن يطرق العلم جميع أبواب الأردنيين واخص بالذكر جلالة المغفور له الملك حسين رحمه الله ثم سار على نهجه جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، إن جاز لي التعبير في هذا الموقع، الكثير من التفاؤل من اجل غد أفضل، علماً بان التعليم فيما قبل تسعينيات القرن الماضي كان محصوراً على النخبة، لكن المعنى المقصود بالنخبة هنا مختلف عما قد يخطر في أذهانكم كالطبقية وغيرها من معاني مثلاً، فالنخبة هنا هم أصحاب الوعي والجد والاجتهاد، أصحاب بالوعي بنظرتهم إلى المستقبل، وأصحاب الجِد بالتنسيق بين واجباتهم تجاه أنفسهم وأرضهم وأغنامهم دونما أدنى حرج، فهم من يعرفون بان المهن هي من تصنع الرجال وهم من يعرفون بان الأنبياء وهم خير البشر قد سبقوهم لمثل هذه الأعمال - فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عمل في رعي الغنم وهو خير البشر ومعلمنا الأول - والنخبة أيضا من اجتهدوا بالسهر والسير على دروب النجاح، لقد كان البعض من تلك النخبة يدرسون على ضوء السراج ومنهم من كان يدرس على ضوء الشارع إصراراً على المضي قدماً، لقد كانت الجامعات لهم هدفاً لكسب المعرفة المتبادلة وكسب الأصدقاء وغيرها من الأهداف النبيلة. فأين هذا الجيل من تلك النخبة التي درست العلم من أجل العلم؟
وبالمقارنة بالواقع المؤلم لبعض الجامعات الأردنية في السنوات الأخيرة، تجد منها ما يصل إلى حد النفور من كثرة المشاجرات الطلابية الحاصلة بداخلها وخارجها، وكأن مدخل كلية التخطيط تلك (وهي جامعة من جامعات وسط الأردن) مكتوب لها أن تشهد كل عام مشاجرة لا يعرف لها سبب، وان وجد فلا يستحق الذكر. لن أقول بان جيل هذا اليوم مختلف عن الأجيال التي سبقته من حيث المسائل الأخلاقية فكل إنسان بداخله بذرة خير ويحتاج إلى من ينميها ويرعاها خير رعاية، فجيل اليوم ما هم إلا أبناء وأحفاد النخبة التي سبق ذكرها، ولكن مواطن الاختلاف هنا تكمن في التوجهات والطاقات الزائدة لدى معظم هذا الجيل. فكل شيء مهيأ، ناهيك عن السلبيات المكتسبة من الأفلام والمسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة من قبلها في الأساس ، فهؤلاء هم جيل البوكيمون - على سبيل المثال لا الحصر- ولا عجب أن يتساءل الجميع عن ماهية البوكيمون. هل هو غزو فكري أو ثقافي أو اجتماعي؟ البوكيمون هي اللعبة الجديدة التي استولت على قلوب أطفال العالم، دخلت غرف نومهم وأحلامهم في الليل والنهار وأثقلت جيوب إبائهم. تعود قصه هذه اللعبة إلى أعوام التسعينات وتحديداً في العام (1995م) عندما قام ساتوشي تاجيري الياباني وتخيل أن عالما جديدا تغزوه الحشرات وكيف على الإنسان أن يلتقطها، والبوكيمون التي يتم الإمساك بهِ ثمة تدريب للقتل لحد يمكّن الشخصية الأساسية أن تقاتل غير شخصيات مع بوكيمون خاص لهم. وفي النهاية امتدت اللعبة اليابانية الأصل والمنشأ إلى جميع أطفال العالم محملة بالعنف والقتل والتعذيب. فإلى أين يمكن أن تقودهم مثل هذه الرسوم المتحركة؟ الجواب هو ما يحصل من عنف في جامعاتنا هذه الأيام من جرائم ومشاجرات.
لكن وفي مثل هذا الظرف هل عجز ساسة الأردن التربويون ورؤساء الجامعات المكلفون عن إيجاد حلول نافعة تنصب في استغلال طاقة شباب هذا الجيل، واستثمارها بأمور تعود بالخير على الطالب نفسه بالمقام الأول ثم الجامعة بالمقام الثاني، وهكذا حتى تتسع الدائرة لتشمل الأردن والعالم أجمع. الم يتفق العالم أجمع بعد أن قام العالم هاورد جاردنر (1983) بنشر نظرية الذكاءات المتعددة والتي بكلمات أخرى تنص على أن كل شخص قد خصه الله سبحانه وتعالى بمهارة يتميز فيها عن غيره، فلاعب كرة القدم وان كان غير متعلما إلا انه يتميز بالذكاء الجسمي الحركي: ويشير إلى القدرة على ربط أعضاء الجسم بالعقل لأداء بعض المهام, لكن بنوع مختلف عن المتخصص في الرياضيات القادر على التفكير المنطقي وحل المشكلات والاستدلال والاستنتاج والتمييز بين النماذج وإدراك العلاقات الرقمية.
وهذا يقودني إلى تساؤل آخر وهو: أين هو دور رئاسة الجامعة متمثلتاً بكافة إداراتها من نظرية هاورد جاردنر؟ أين هو دور عمادة شؤون الطلاب؟ وأين هي أنشطتها المتنوعة بتنوع توجهات الطلاب وميولهم؟ هل استطاعت الجامعات في الأردن أن تضع خطة سنوية تشتمل على العديد من الأنشطة التي تراعي مسألة الفروق الفردية بحيث تشمل جميع الطلاب؟ هل سمع منكم على سبيل المثال فقط بدوري كرة القدم بين الكليات في أي جامعة في الأردن أو دوري الجامعات كما هو الحال في جامعات بعض دول العالم؟ وأين هو دور البحث العلمي المدعوم للطلاب كسبيل لخلق المنافسة والإبداع؟ أعجزت الجامعات في الأردن بإداراتها المتعاقبة عن إيجاد حلول للقضاء على ظاهرة العنف بحلول علمية عملية تُوقِعُ على عاتِق هؤلاء الطلبة حس المسؤولية؟ أعتقد كأستاذ جامعي بأنه لا يوجد هناك ما هو مستحيل، فالحل موجود لكن عندما نصل إلى مرحلة ندرك فيها بان المنصب الموكول لنا هو تكليف لا تشريف، وان المناصب لا تجعل من صاحبها إنساناً نجيباً إلا إذا اقترنت بالعمل الحقيقي حيث يقول الشاعر:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكلــه لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبـرا
د. أحمد فايز الزعبي
الحقيقة المرة هي انه لا نكاد ننتهي من حكاية تسْرَد أو خبر يُنشر عن العنف الجامعي وأشكاله حتى تلمح أعيننا حكاية أخرى ترويها الصحافة عن مشاجرة نشبت بين فريقين أو عشيرتين، تكون أصل المشكلة في منطقتهم ولا يجدون إلا الجامعة كساحة للمواجهة بينهم دون أدنى مراعاة لكل من المصلحة الأكاديمية أو حتى مشاعر الآخرين على الصعيد الإنساني. وفي اغلب الأحيان تكون المشكلات عائدة إلى أسباب لا تستحق أن تذكر، فعلى سبيل المثال واسمحوا لي هنا بان اذكرها بأبسط الكلمات وهي كصدمة كتف غير مقصودة أو جحرة عين أو غيرها من الأسباب حتى لو كانت مهمة، فهذا هو النشء الذي عليه تعتمد الأمة في بناء مستقبلها ورفعتها الذي يجب عليه التعامل مع القضايا بأسلوب راقي وحضاري مسؤول.
أتساءل هنا: هل كانت شيوعية التعليم هي السبب وراء ما نراه من عنف في الجامعات؟ فكما تعلمون أعزائي القراء أن التعليم قد طرق أبواب جميع الأردنيين بكافة شرائحهم ومستوياتهم، وقد كان المنتظر من هذه الشيوعية في التعليم عندما حرص الهاشميون على أن يطرق العلم جميع أبواب الأردنيين واخص بالذكر جلالة المغفور له الملك حسين رحمه الله ثم سار على نهجه جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، إن جاز لي التعبير في هذا الموقع، الكثير من التفاؤل من اجل غد أفضل، علماً بان التعليم فيما قبل تسعينيات القرن الماضي كان محصوراً على النخبة، لكن المعنى المقصود بالنخبة هنا مختلف عما قد يخطر في أذهانكم كالطبقية وغيرها من معاني مثلاً، فالنخبة هنا هم أصحاب الوعي والجد والاجتهاد، أصحاب بالوعي بنظرتهم إلى المستقبل، وأصحاب الجِد بالتنسيق بين واجباتهم تجاه أنفسهم وأرضهم وأغنامهم دونما أدنى حرج، فهم من يعرفون بان المهن هي من تصنع الرجال وهم من يعرفون بان الأنبياء وهم خير البشر قد سبقوهم لمثل هذه الأعمال - فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عمل في رعي الغنم وهو خير البشر ومعلمنا الأول - والنخبة أيضا من اجتهدوا بالسهر والسير على دروب النجاح، لقد كان البعض من تلك النخبة يدرسون على ضوء السراج ومنهم من كان يدرس على ضوء الشارع إصراراً على المضي قدماً، لقد كانت الجامعات لهم هدفاً لكسب المعرفة المتبادلة وكسب الأصدقاء وغيرها من الأهداف النبيلة. فأين هذا الجيل من تلك النخبة التي درست العلم من أجل العلم؟
وبالمقارنة بالواقع المؤلم لبعض الجامعات الأردنية في السنوات الأخيرة، تجد منها ما يصل إلى حد النفور من كثرة المشاجرات الطلابية الحاصلة بداخلها وخارجها، وكأن مدخل كلية التخطيط تلك (وهي جامعة من جامعات وسط الأردن) مكتوب لها أن تشهد كل عام مشاجرة لا يعرف لها سبب، وان وجد فلا يستحق الذكر. لن أقول بان جيل هذا اليوم مختلف عن الأجيال التي سبقته من حيث المسائل الأخلاقية فكل إنسان بداخله بذرة خير ويحتاج إلى من ينميها ويرعاها خير رعاية، فجيل اليوم ما هم إلا أبناء وأحفاد النخبة التي سبق ذكرها، ولكن مواطن الاختلاف هنا تكمن في التوجهات والطاقات الزائدة لدى معظم هذا الجيل. فكل شيء مهيأ، ناهيك عن السلبيات المكتسبة من الأفلام والمسلسلات وأفلام الرسوم المتحركة من قبلها في الأساس ، فهؤلاء هم جيل البوكيمون - على سبيل المثال لا الحصر- ولا عجب أن يتساءل الجميع عن ماهية البوكيمون. هل هو غزو فكري أو ثقافي أو اجتماعي؟ البوكيمون هي اللعبة الجديدة التي استولت على قلوب أطفال العالم، دخلت غرف نومهم وأحلامهم في الليل والنهار وأثقلت جيوب إبائهم. تعود قصه هذه اللعبة إلى أعوام التسعينات وتحديداً في العام (1995م) عندما قام ساتوشي تاجيري الياباني وتخيل أن عالما جديدا تغزوه الحشرات وكيف على الإنسان أن يلتقطها، والبوكيمون التي يتم الإمساك بهِ ثمة تدريب للقتل لحد يمكّن الشخصية الأساسية أن تقاتل غير شخصيات مع بوكيمون خاص لهم. وفي النهاية امتدت اللعبة اليابانية الأصل والمنشأ إلى جميع أطفال العالم محملة بالعنف والقتل والتعذيب. فإلى أين يمكن أن تقودهم مثل هذه الرسوم المتحركة؟ الجواب هو ما يحصل من عنف في جامعاتنا هذه الأيام من جرائم ومشاجرات.
لكن وفي مثل هذا الظرف هل عجز ساسة الأردن التربويون ورؤساء الجامعات المكلفون عن إيجاد حلول نافعة تنصب في استغلال طاقة شباب هذا الجيل، واستثمارها بأمور تعود بالخير على الطالب نفسه بالمقام الأول ثم الجامعة بالمقام الثاني، وهكذا حتى تتسع الدائرة لتشمل الأردن والعالم أجمع. الم يتفق العالم أجمع بعد أن قام العالم هاورد جاردنر (1983) بنشر نظرية الذكاءات المتعددة والتي بكلمات أخرى تنص على أن كل شخص قد خصه الله سبحانه وتعالى بمهارة يتميز فيها عن غيره، فلاعب كرة القدم وان كان غير متعلما إلا انه يتميز بالذكاء الجسمي الحركي: ويشير إلى القدرة على ربط أعضاء الجسم بالعقل لأداء بعض المهام, لكن بنوع مختلف عن المتخصص في الرياضيات القادر على التفكير المنطقي وحل المشكلات والاستدلال والاستنتاج والتمييز بين النماذج وإدراك العلاقات الرقمية.
وهذا يقودني إلى تساؤل آخر وهو: أين هو دور رئاسة الجامعة متمثلتاً بكافة إداراتها من نظرية هاورد جاردنر؟ أين هو دور عمادة شؤون الطلاب؟ وأين هي أنشطتها المتنوعة بتنوع توجهات الطلاب وميولهم؟ هل استطاعت الجامعات في الأردن أن تضع خطة سنوية تشتمل على العديد من الأنشطة التي تراعي مسألة الفروق الفردية بحيث تشمل جميع الطلاب؟ هل سمع منكم على سبيل المثال فقط بدوري كرة القدم بين الكليات في أي جامعة في الأردن أو دوري الجامعات كما هو الحال في جامعات بعض دول العالم؟ وأين هو دور البحث العلمي المدعوم للطلاب كسبيل لخلق المنافسة والإبداع؟ أعجزت الجامعات في الأردن بإداراتها المتعاقبة عن إيجاد حلول للقضاء على ظاهرة العنف بحلول علمية عملية تُوقِعُ على عاتِق هؤلاء الطلبة حس المسؤولية؟ أعتقد كأستاذ جامعي بأنه لا يوجد هناك ما هو مستحيل، فالحل موجود لكن عندما نصل إلى مرحلة ندرك فيها بان المنصب الموكول لنا هو تكليف لا تشريف، وان المناصب لا تجعل من صاحبها إنساناً نجيباً إلا إذا اقترنت بالعمل الحقيقي حيث يقول الشاعر:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكلــه لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبـرا
د. أحمد فايز الزعبي