العنف الاجتماعي والشباب

أخبار البلد - إن عودة العنف الاجتماعي على شكل مشاجرات جماعية على المشهد الوطني مسألة تثير القلق ويجب الانتباه لها قبل أن تتفاقم وهناك بعض الحقائق المهمة المتعلقة بهذه الظاهرة التي يجب التذكير بها.
أولا: إن أغلب مظاهر العنف تبدأ بخلافات فردية بسيطة ولكنها سرعان ما تتحول إلى مشاجرات جماعية تقحم مرجعياتها الاجتماعية العائلية أو المناطقية أو غيرها وبالتالي هو ليس عنفا مبنيا على خلافات بين هذه الأطر الاجتماعية وإنما هي مشاكل فردية بالأساس.
ثانيا: إن هذه الظاهرة هي شبابية بامتياز ولذلك لا يمكن فصلها عن بقية المشاكل التي يعاني منها الشباب الأردني كالفقر والبطالة والمخدرات والتي تؤدي لليأس والاغتراب والإحباط.
ثالثا: إن العنف المجتمعي يجب أن يفهم بالسباق العام لتنامي أشكال العنف الأخرى بالمجتمع مثل العنف ضد المرأة والأطفال وبشكل خاص داخل الأسرة وكذلك الجريمة بأنواعها المختلفة. رابعا: ان من أخطر نتائج العنف المجتمعي هو تهديده للسلم المجتمعي بين مكونات المجتمع المختلفة ويضعف التماسك الاجتماعي الذي قد يؤدي لنتائج أبعد من ذلك ولا يحمد عقباها. كذلك فإن تداعيات العنف الاجتماعي قد تؤدي إلى تراجع هيبة وسيادة القانون الناجمة عن دون قصد الناجمة عن رغبة السلطات في عدم تفاقم الأمور ولغايات المحافظة على الأمن وتحقيق السلم المجتمعي.
خامسا: إن العنف بشكل عام والشبابي بشكل خاص يؤشر على وجود أزمة اجتماعية أعمق مرتبطة بواقع الشباب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ليس خافيا على أحد أن الشباب يعانون من ضعف في الاندماج الاجتماعي وتدن في مشاركتهم بالحياة العامة سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية.
المشاركة الاقتصادية للشباب متدنية لدى الأعمار 15-24 يقابلها ارتفاع غير مسبوق بمعدل البطالة لديهم قد يصل إلى ضعف المعدل الوطني وخاصة لدى حملة الشهادات الجامعية مما يترك عشرات الآلاف من الشباب دون مشاركة اقتصادية حقيقية بالمجتمع مما يؤدي لزيادة التوترات الاجتماعية داخل الأسرة وخارجها.
كذلك فإن ضعف أو تدني المشاركة السياسية لديهم والتي هي جزء من مشكلة أكبر تؤدي إلى إضعاف أو غياب صوت الشباب في المجتمع ويحرمهم من الانخراط في الهموم الوطنية والقضايا العامة التي لا بد أن تنعكس على وعيهم السياسي والاجتماعي وتحرمهم من التعرف على تبني القيم الديمقراطية القائمة على احترام سيادة القانون وحل المشاكل بالطرق السلمية واحترام التعدد.
كذلك فإن ضعف الاندماج الاجتماعي يعتبر مؤشرا على ضعف دور المؤسسات الاجتماعية والتربوية وخاصة المدارس والجامعات في دمج الشباب وصهرهم في بوتقة وطنية واحدة وتزويدهم بالمهارات الحياتية والمهنية الفردية لبدء حياتهم العملية. علاوة على ذلك فإن انقسام التعليم المدرسي إلى خاص وعام يؤدي إلى تكريس الانقسامات الاجتماعية وتكريس الفروقات الطبقية بين فئات المجتمع. الحال لا يختلف كثيرا بالجامعات التي ساهم انتشارها على مساحة الوطن وغياب السياسات التعليمية الهادفة في ضعف اندماج الطلبة لا بل كرس المناطقية والتعددية.
إن العنف الشبابي الذي يأخذ طابعا اجتماعيا هو نتيجة لغياب أو فشل السياسات العامة الموجهة للشباب وقد يكون سببا في مشاكل اجتماعية اقلها الإخلال بالسلم المجتمعي.لا شك أن أزمة كورونا فاقمت من مشكلات الشباب ولكنها موجودة قبلها.
الأسباب والنتائج والتوصيات للحد من هذه الظاهرة ومعالجتها موجودة ولا داعي لاختراع العجل من جديد.
المطلوب من الحكومة حزمة سياسية متكاملة قصيرة الأمد للتصدي لمشكلات الشباب ومنها العنف بأشكاله المختلفة.