أخا عليا..... زيت سراجنا أوشك على النفاد
ما زال سراج ذكراك يا أخا عليا يستمد من دمنا حزنا وأسى على فراقك، ومن مآقينا دموعا حرّى على غيابك، في زمن صار فيه الرجال ذكرانا، وأمسى الوطن فيه مرتعا لعابري السبيل من غربان مهاجرة، وفيه أصبح الأردن يا أخا عليا مستنبحَ الأبوام.؛ فهجرنا السنونو والحمائم، وعششت في خرائبنا الضباع والثعالب فتزاوجت وتناسلت وتكاثرت منتشرة من تل إربد إلى ما بعد سفوح شيحان. وتقاطر على بلدنا تجار الرقيق الأبيض والسماسرة أشباه شيلوخ وأخوان شيلوخ، فأضحوا أحلاس المناصب السنية والمراتب الرفيعة، فباعوا واشتروا، وخصخصوا ولصلصوا، ففي ناحية شيدت معارج وفي أخرى حفرت مدارك. وصار أشباه الرجال الذين فقدوا فحولتهم يا أخا عليا أكلة على قصعة مؤسساتنا ومقدراتنا الوطنية التي استبيحت ومن ثم بيعت ونحن نردد ليل نهار: العوض بوجه الكريم.
لم ننساك يا وصفي ولن ما حيينا، فعندما تتوالى المحن والمصائب على رؤوسنا نردد معا: يامهدبات الهدب غنن على وصفي، وعندما نرى علجا من علوج الخصخصة نغني معا: خسا ياكوبان ما أنت ولف لي..... ولفي شاري الموت لابس عسكري.... عندئذ نستذكر الرجال النشامى نستذكر البطانة الصالحة لولي الأمر جلالة المغفور له- بإذن الله تعالى- الحسين بن طلال أنت وحابس المجالي ، هؤلاء الرجال الذين ستظل صورهم ومواقفهم المشرفة مدرسة في الإخلاص والوفاء والطهر والسيرة الحسنة؛ هذان الهرمان اللذان غيبهما القدر بأيدي الزعران والهمل والخونة سيظلان سنديانة باسقة تسر الناظرين، غائبة عن العين إلا أن لها في الوجدان ركنا نستمد منه بصيص أمل في أن يضيء السراج نورا يبدد ظلمةً نسأل المولى تعالى أن يجنبنا شرورها.
عندما كان أبا مصطفى عينا في عام 1969 شن هجوما لاذعا على الفساد بأشكاله السائدة آنذاك مثل: عمولات، بيع قطع سيارات، رخص سيارات ديزل وتركات، وتعيين المحاسيب والأنصار، وكمسيونات ... إلخ. وأما الآن يا وصفي فقد عولموا البلد وبيع أكثر من هذا وذاك الكثير؛ فمن رخص التركات إلى رخص الكازينوهات وبيوت الدعارة في شارع أطلقوا عليه اسمك الطاهر، ورخص بيوت المساج وغير ذلك. وأما تعيين المحاسيب والأنصار فحدث ولا حرج؛ فالأسماء والسِّحن هي هي، وإن وهن عظم الجد فذا الأب يورث الابن منصبه وجبروته، وصار الوطن يا وصفي عزبة لأسر بعينها، حتى أصبح ( جورعة) مال داشر كقولك قبل نحو أربعين حولا. وبقي المواطن يا وصفي حراثا أبا عن جد يحرث لغيره ويزرع لغيره ويحصد لغيره.
في ذكرى استشهادك يا وصفي نستذكر كيف قاتلت دفاعا عن فلسطين مع فوج الطفايلة حمر النواظر في حين كان الخونة الذين اغتالوك يجاهدون في شارعي الحمرا والهرم. وفي الوقت الذي كنت تحمل فيه هما عربيا قوميا، كان دعاة القومية ومسيلموها يحيكون المؤامرة الدنيئة دناءة أخلاقهم في أعتاب الشيراتون. اغتالوك ولم يستطيعوا اغتيال شموخك وإبائك ورمزيتك في نفوس الأطهار الشرفاء، في حين يشفى في اغتيالك أبناء الشوارع والمقاهي والحانات أمثالهم.
وقبل أن ينفد زيت سراجنا، لايسعني إلا الاستشهاد بما قلته قبل أربعين عاما حول وضع المواطن الصابر في ظل هذه الأوضاع المتردية: (... الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون، والذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون، والذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه( جورعة) مال داشر واهمون كذلك.)
فيا أيها الأطفال والشباب والطلبة؛ اقرؤوا سيرة هذه البطانة الصالحة لعلنا نرى يوما ما أن النشميات الأردنيات حملن في أرحامهن رجالا كوصفي أو هزاع أو عبد الحميد شرف رحمهم الله جميعا.