"محنطون" يرفضون الحرية والأوطان تحولت إلى متاحف ..!!
اخبار البلد - صالح الراشد
ترك الفراعنة إرثاً هائلاً من المعرفة والأسرار التي لم يكتشفها أحد وفي مقدمتها بناء الأهرامات وأسرار التحنيط، لكن مع مرور الزمن أصبحنا ندرك أسرار أخرى وتختص بتحنيط الأوطان، وتحويلها إلى متاحف بدلاً من أن تُصبح أسواق تجارية تعج بالحياة والتطور والعمران المدني والثقافي، فاصبحت العديد منها تُدار على طريقة "ما علمت لكم من إله غيري"، ليثبت أن الديموقراطية كذبة كبرى لا يعادلها في التاريخ إلا كذبة الدولار الأمريكي الذي يحكم العالم، رغم أنه مجرد ورقة بلا أصل أو قيمة، وكذلك الحرية والإستقلال التي تم الضحك بها على الشعوب التي استبشرت بانهار العسل واللبن، لتكتشف بعد سنوات من النضال والحروب مع المستعمر والذات وأبناء جلدتهم أنها لا زالت تخضع للإحتلال لكن بالوكالة.
نعم، هذه هي الحقيقة المرة التي تقتل الأمل والحلم والطموح بصناعة دول قوية، فالمستعمر الغائب الحاضر بقوة يرفض أن تتطور الدول ولا يريد لها أن تقوم بالعلم والمعرفة، لذا فقد أوجد شروطاً لإدارتها ومن يخرج عن النص يتم إعدامه في يوم العيد، فالأموال العربية الضخمة يجب أن لا يتم استغلالها في الصناعات والبرامج والبحوث العلمية، لذا نجد أن أموال الشعوب تُنفق على النهر الصناعي العظيم والمُدن الحجرية والملاعب الرياضية والمدن الترفيهية، وطبعاً لا ننسى السلاح الذي يستهلك النسبة الأكبر من الأموال وممنوع من الإستخدام ضد اعداء الأمة، لتكون أموال الأمة لعنة عليها كونها بيد فراعنة محنطين من قديم الزمان.
وقد يعتقد البعض ان التحنيط فقط للأموات، وهذا أمر غير حقيقي فالتحنيط يتم للأحياء أيضاً، فاغلاق الفكر تحنيط ما بعده تحنيط ورفض الراي الآخر تحنيط قهري يوجب العبودية، فيما تحنيط رجال الدول وتدويرهم بين المناصب تحنيط لصورتهم وترسيخ لعوامل القهر في المجتمعات، والأصعب تحنيط صور التبعية بحيث لا تموت ولا تنتهي وتبقى هي الشعار في التعامل مع الدول التي أذلت الأمة ونهبت خيراتها لسنوات طويلة، وبالتالي تكتمل الصورة لنجد أن كل شيء "محنط" من الفكر للعقل إلى الفعل ورد الفعل ثم القرار السياسي والإقتصادي، ليكتمل مسلسل التحنيط وتبقى الأوطان مكانك سر بلا حراك على أمل أن يأتي أمر الإله الجديد.
ولن يزول التحنيط عن الشعوب وقدراتها إلا بتطبيق العدالة الإجتماعية المُطلقة والتي ستتسبب في إزاحة فراعنة العصر الذين يرثون المناصب والأموال تاركين للشعوب ألم الموت والقهر، كما يجب التخلص من تُجار الموت وصُناع الفقر الذين قتلوا بعض الأوطان ثم حنطوها، فيما قام آخرون بتحنيط الأوطان وهي على قيد الحياة حتى لا تتحرك وتتحرر من نير عبوديتهم لتتحول هذه الدول إلى متاحف للعجزة، ويبدع هؤلاء في تشريع القوانين والأنظمة التي تزيد من أعباء الحياة على الشعوب الصبورة، بفضل قرارات تزيد من هموم الشعوب تصاعدياً وبشكل متلاحق ثم يقنعوهم بأن ما يجري هو خدمة لهم، لتقول الشعوب " الحمد لله" أن الأمور لم تذهب للاسوء، فيفرحوا بكل نظرة للسماء كونها خارج حدود المحنطين الذين توفر لهم ولأتباعهم رغد الحياة والربح الوفير .
ان الأوطان لا تنهض ولا تتطور باشخاص غير قادرين على الوقوف على قدميهم، ولا باشخاص يرتعبون حد الموت ويرفضون الخروج من قفص العبودية الغربية وعبودية المال والمنصب، فالأوطان تتحرر باصحاب المباديء والقيمة الراسخة في نفوس الأحرار والذين يتعاملون مع الوطن كوحدة واحدة ولا يفرقون بين اي مواطن، ويمنحنون المناصب للأفضل ويبحثون عن تشريعات تسهل حياة المواطن، وهؤلاء الأشخاص موجودين ولكنهم مستبعدين كونهم أصحاب فكر ورأي يتعارض مع جيوش المحنطين على مقاعد الدول، فهل يحدث التغير؟، حقاً لا أتوقع في المنظور القريب كون التحنيط ينتشر بقوة ليرث كل محنط منحط جديد لتنتشر ثقافة الأموات الأحياء أصحاب القرار والذين يتحكمون في الأحياء الأموات.