المنهج المطلوب وخططه

اخبار البلد ـ في المقالة السابقة تحدثنا عن الأسباب التي حالت دون تبني الأردن نھجاً اقتصادیاً واضحاً، لظروف خارجیة انطوت على كثیر من الھزات والامتحانات الصعبة التي أملت تركیزالاھتمام على المدى القصیر والاستجابة لمتطلباتھ التي لا تحتمل الانتظار من ناحیة، ولأسباب داخلیة تمثلت في عدم اكتمال البنى المؤسسیة في النصف الأول من القرن الماضي، مماجعل الدولة مضطرة بحكم تكوینھا أن تمزج بین الرعویة والرأسمالیة المنضبطة، ولذلك تمكن الأردن خلال تطوره المؤسسي في القطاعات العامة والخاصة والمدني أن یحافظ على توزیع دخل یوصف بالعادل، وعلى م? .احة واسعة لطبقتھ المتوسطة،وعلى تقلب الطبقة الغنیة. ھذه المرونة الاجتماعیة حققت للأردن الاستقرار المجتمعي أما في القرن القادم، فھنالك تغیرات مرتفبة كبیرة على المستویات الدولیة، والإقلیمیة،وحتى المحلیة. ولكي نتمكن من دراستھا وفھمھا والتنبؤ بھا، فنحن بحاجة إلى استراتیجیة تحفظ للدولة كیانھا واستمراریتھا، وتضمن لھا انطلاقھا، ویضع الاستراتیجیة شخوص لھم معرفة ویمثلون مختلف التخصصات والنشاطات، ویخضعون في قراراتھم لمنطق علمي سلیم،ولمعلومات وقیاسات دقیقة، إذ لم یعُ ْد المشھد ساذجاً كما كان على غرار » یا حاجب امنح فلاناً الف الف .«دانق وسوف نشھد خلال العشرین سنة القادمة تراجعاً في أھمیة النفط ینتھي معھا على أبعد حد دور النفط في تشكیل منطقتنا واصطفافاتھا. ولن تبقى ھذه الاصطفافات والتشكیلات الجغرافیة على حالھا من التقلب والتغیر السریع، ولَم تعد جزراً في أرخبیل اندونیسیا تظھر فوق سطح الماء، ثم سرعان ما یتغیر الماء علیھا فیغور بعضھا في باطن المحیط، ویطفو بعض آخر فوق ذلك الماء. إذا انتھى عصر النفط الذي دام مدة قرن إذ اكتشف النفط في منطقتنا عام 1919 في عبدان .بإیران، فلربما بدأ انحساره بشكل واضح عام 2019 َب في ھذا َ وبانحسار النفط، وبروز موارد جدیدة في المنطقة، فإن جغرافیة المنطقة ستكون مرشحة للتغییر. وقد كتَ الموضوع كثیر من خبراء سیاسیین ومراكز أبحاث عریقة مثل «تشیتام ھاوس» بلندن، ومراكز مثلھ في واشنطن of Revenge The» وموسكو، وبرلین وباریس وبیجینج. وصدر عام 2009 كتاب عنوانھ «انتقام الجغرافیا «أو والكتاب لیس عمیقاً، ولكن فیھ دعوة إلى إعادة بناء شرق أوسط .(Kaplan (للكاتب روبرت كابلان «Geography جدید تقوم جغرافیتھ على أساس الإثنیة العرقیة، وقال إن إغفال معاھدة «سایكس بیكو» للبعد الدیمغرافي الإثني وتركیزھا على ?قسیم المنطقة وفق مصالح الدول الاستعماریة في نھایة الحرب العالمیة الأولى ھو الذي أبقى المنطقة .في حالة صراع دائم وھي تعني ،«WANA ّ وبالمقابل، أنا أعلم أن سمو الأمیر الحسن كان یعمل على فكرة انشاء منطقة سماھا «وانا أو والسبب یعود إلى أن كلمة الشرق الأوسط لا (Africa North and Asia West (منظومة غرب آسیا وشمال افریقیا ّ تأخد البعد القار ِّ ي للوطن العربي بعین الاعتبار. وقد غیب مصطلح الشرق الأوسط الغامض الھویة القاریَّة للمنطقة ولَم .تعد تنتمي لأي منھا ولتعمیق المفھوم ببعده الدیمغرافي فإن المنطقة فیھا أربعة مكونات دیمغرافیة أساسیة وھم العرب، والترك (ولیس الأتراك) والفرس والكرد (ولیس الأكراد). وأن على الجمیع أن یعترف بالآخرین، وبخصوصیتھم، وبحقوقھم، لتصل المنطقة إلى حالة استقرار جغرافیة واضحة، یجعلھا قادرة على التفاعل فیما بینھا، وتحقیق حد أدنى من التكامل یضمن .لھا القدرة على مفاوضة باقي مناطق العالم بجدیة ولیس عند الأمیر الحسن بعد ذلك اعتراض ذھني علمي على تكوین وحدات جغرافیة متجانسة داخل منظومة » وانا» ومن ھذه على سبیل المثال منطقة المشرق العربي التي تضم العراق وبلاد الشام لما بین أھلھا من تجانس، وقدرة على .التكامل واكمال بعضھم لموارد بعض، بحیث تصبح كتلة سكانیة مكونة من حوالي (90 (ملیون نسمة إذا كانت استراتیجیتنا ستعتمد على ھذا المحور، خاصة إذا استطاعت اسرائیل بعد السلام وإنشاء دولة فلسطینیة أو المنھج المطلوب وخططھ - صحیفة الرأي 2021/2/5 alrai.com/article/10588945/وخططھ-المطلوب-المنھج/كتاب 2/3 بدونھ، أن تطیرمتجاوزة إیانا إلى الخلیج، فنحن في الأردن وفلسطین سنكون بحاجة ماسة إلى عمق عربي، وھو جوارنا. ولا یعني ھذا أننا لا نرید التعامل مع التجمعات العربیة مثل مصر والسودان ولیبیا، أو دول الخلیج، أو شرق .إفریقیا والیمن إذن لم یعد الآن خیارنا قائماً على قدر الموارد التي یمكن ان نحصل علیھا من علاقتنا واسترضاءاتنا لھذه الدول، بل على علاقة التساوي والندیة، والتحدید الدقیق لمصالحنا على المدى الطویل. لقد نظرت إلینا دول الخلیج، خاصة الحكومات، نظرة رعویة. وھم یعطوننا مالاً ونحن بمال الخیرین نجود على الرعیة في الأردن وظائف ومشاریع لھا ضرورة أو لیس لھا ضرورة. وعندما تتراجع ھذه المساعدات، ویقل دخل الدولة، نجد أنفسنا في حالة نزاع على موارد الحكومة، ومن خلالھا تتجدد العلاقات بین مختلف فئات الشعب الأردني، ونبحث لنا عن سند غیر القانون ? .العدل مثل القبیلة أو العزوة أو الجاه أو المركز لنحصل على القلیل المتاح لدى الحكومة أطرح ھذا السیناریو حتى نرسم سیاساتنا الاقتصادیة والاجتماعیة، وتحدید فرص العمل، وتحدید انفاقنا العسكري .والمدني، ونحدد تحالفاتنا، ونضع الأسس لجعل خیاراتنا الاستراتیجیة مستقرة حتى یقرر الآخرون تبدیلھا لا نحن أما على البعد الدولي فالمتغیر الأساسي ھو أن الدولتین الأعظم الولایات المتحدة والصین ستبقیان كذلك حتى عام 2050 أو بعد ذلك، وأما الاتحاد الأوروبي فعلیھ أنیقبل أن یكون قوة من الصف الثاني إلا إذا استطاعوا ان یتفاھموا مع روسیا، ویدخلونھا إلى الاتحاد الاوروبي ویساعدوھا على الاستفادة من مواردھا وإمكاناتھا وإبداعاتھا بإسلوب أفضل .فتتحول إلى قوة اقتصادیة تعطي أوروبا دفعة كبرى ولكن القوة الاقتصادیة لن تتحدد في المستقبل إلا بالتفوق التكنولوجي وبالقدرة على تحویل التكنولوجیا إلى تطبیقات إنتاجیة بشكل أسرع. والعالم مضطر أن یدفع الصین والولایات المتحدة إلى التفاھم حول المنصات الالكترونیة لتدفق العملات من ناحیة وإجراء المقاصة على تبادلاتھا من ناحیة أخرى، ومن تكن لھ الغلبة في ھذین الموضوعین، ستكون لَھُ الیَ ْد العلیا في العالم. ولذلك سیكون ضغوط على دول مثلنا للاصطفاف بمغریات اقتصادیة. وعلینا أن نقرر أین یقع .التوازن خدمة لمصالحنا الاستراتیجیة أما على المستوى الداخلي، وفِي ضوء القرارات المصیریة، فإننا یجب أن نتبنى منھجیة اقتصادیة واضحة، توصلنا :إلى قرارات واضحة حول عدد من الأمور التي یجب أن تخضع للمعاییر التالیة أول ھذه المعاییر ھو حاجتنا لتثویر إداراتنا حتى نتمكن من ادارة مواردنا بالشكل الصحیح والأكثر فعالیة بما یلبي َ حاجاتنا ویجعلنا أكثر تنافسیة، و ِمَّما یمكننا من تراكم الثروة والبناء علیھا، وبما یجعل نظامنا الاقتصادي أكثر عدالة وإنصافاً حتى نبقى قادرین تحت أي ظرف، وفِي أي زمان، على حشد الطاقة الكامنة في شعبنا لتطویر مواردنا .وزیادتھا والتحكم فیھا، وعلى الالتفاف خلف قیادتنا في زمن التجارب الصعبة وثاني ھذه المعاییر ھو أن نصبح شعباً واحداً، ومرجعیتنا واحدة وھي الدستور، ولا نسمح بالنكوص عنھ، أو التسلل من خلال أي ثغرات فیھ لأي أحد. فعندما أقول انا أردني فأنا أردني. وعندما یحین عام 2050 سیكون الأردنیون بعد ِ جیل ونصف كلھم من موالید ھذا البلد. فلنعمل على بناء الولاء للدولة، ثم للمحافظة، ثم للمدینة أو القریة. وھذا التسلسل الھرمي للدولة ھو الذي یجب أن یعكس التنظیم الھرمي للدولة. بحیث تنتج المدینة أو القریة كفاءات تتولى مناصب فیھا. ومتى ما نضجت انتقلت إلى المحافظة، أو المقاطعة وعملت فیھا. ومن نجح بتفوق انتق? إلى الخدمة على مستوى الدولة كلھا. وإذا رضینا بھذا النموذج، فعلینا أن نبني تكتلات سیاسیة وتنظیمات اداریة، وقوانین انتخاب، وقوانین .أحزاب تعكس ھذه الھندسة المعماریة لبنیاننا السیاسي وعلینا أن نختار نظاماً اقتصادیاً ونھجاً حراً، لكنھ محكوم بعدم الغش، والاحتكار، والتطفیف، والتوازن بین المصالح بموجب أسس معتمدة. فالتنافس القائم على مرجعیات (meritocracy (العامة والخاصة، وبناء نظام قائم على الكفاءة خلقیة وتربویة صحیحة ھو الحل الأمثل والحریات یجب أن تفھم أنھا حق لكل مواطن، ولكن تجاوز شروطھا یحولھا من حق إلى امتیاز یمكن سحبھ من الشخص المتمادي. ویقضي بذلك تشریع قانوني عادل، وحكم قضائي نزیھ، ولا یترك تقدیر الأمور المتعلقة بالحقوق .المدنیة لأي تنفیذي بغض النظر عن علو مركزه إذن نحن بلد ملكي وراثي دستوري، والملك فیھ قائد للجیش ویتمتع بصلاحیات رئیس دولة كالولایات المتحدة، وھو الذي یختار شخص رئیس الوزراء لابناء على توصیة مستشاریة ورغباتھم، بل وفق ما أفرزه الشعب من قیادیین .ونواب وأعیان یمنحون حكومة من اختاره الملك وفق تلك النتائج ثقتھم ودعمھم نرید إذن كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني مواطناً فاعلاً، حزباً فاعلاً، مجلس نواب فاعل ومجلس وزراء فاعل. .ونرید كذلك نظاماً قائماً على إستقلالیة سلطاتھ ولكنھا متفاھمة مع بعضھا البعض. ولكل فرد في المجتمع نصیب ھذه كلھ انعكس في دستور عام 1952 .وعلینا الآن أن نفعلھ ونضع القوانین التي تضمن تطبیقھ بعدالة وفھم بحیث .نجعل الأردن أقوى وأمنع، وأكثر استمراراً وأكثر استجابةللمتغیرات حتى یبقى قطاره سائراً على السكة