القيمة الحقيقية وتثمين المياه في الأردن

في ظل جائحة كورونا، المياه تُعَدّ وسيلة لتطويق الجائحة، لا سيّما أنّ غسل اليدين أمر ضروريّ للحدّ من عدوى كوفيد-19 وكذلك من أمراض معدية أخرى. وفي هذا الإطار، يُذكر أنّ ثلاثة مليارات شخص في العالم تقريباً لا يملكون سبلاً لغسل أيديهم بهدف الوقاية من فيروس كورونا الجديد. اليوم، يفتقر حوالي واحد من كل ثلاثة أشخاص إلى الوصول إلى مياه الشرب الآمنة في العالم. علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2040، يمكن أن يزداد الطلب العالمي على المياه بأكثر من 50 في المائة، مما يضع ضغطا إضافيا على هذا المورد الحيوي. ويؤكد تقرير حالة الأردن «2020» الذي أعده المجلس الاقتصادي الاجتماعي الى ان زيادة الطلب المنزلي على المياه ارتفع بنسبة%10- 40% نتيجة تغير نمط السلوك لدى المواطنين فيما يتعلق باستهلاك المياه أثناء الحظر والاغلاق بسبب جائحة كورونا.

وبالرجوع الى التقرير الذي أطلق في اليوم العالمي للمياه، وأعدته منظمة اليونسكو الأممية في أذار (2021) بعنوان «تثمين المياه» أوضح أن عدم القدرة على التعرف على قيمة المياه هو السبب الرئيسي لإهدار المياه وإساءة استخدامها. خصوصا في أوقات الندرة المتزايدة وعلى خلفية النمو السكاني وتغير المناخ؛ وعلى الجميع أدراك القيمة الكاملة للمياه وخصوصا عند اعتبارها حقا من حقوق الإنسان. وعليه أسلوبنا في تثمين المياه يحدد كيفية إدارتها وتقاسمها. فقيمة المياه أكثر بكثير من مجرد سعرها، فالمياه لها قيمة هائلة ومركبة. وتم طرح سؤالا يسعى إلى فهم «القيمة الحقيقية» للمياه من أجل حماية أفضل للموارد الحيوية لكل شخص ولكل غرض، وسط أزمة مياه عالمية متزايدة. وأنه من الضروري دراسة أبعاد المياه المختلفة من أجل فهم الجوانب المختلفة «لقيمتها».

وأكد التقرير أنه لا توجد علاقة واضحة بين سعرها وقيمتها فيتم تحديد سعر المياه لاسترداد التكاليف لا القيمة المقدمة؛ وأن سعر الماء يجب ألا يقاس على أساس سعره السوقي فحسب بل انطلاقا من المنافع التي يمكن أن يجلبها. واعترف التقرير في الوقت نفسه بعدم وجود نموذج متفق عليه من قبل الجميع يسمح بإجراء مثل هذا التقييم الموضوعي. وعلى الدول تطوير نهج متكامل يسمح بالنظر في جوانب مختلفة من موارد المياه معا من أجل تحديد خيارات السياسة المناسبة.

ويشير التقرير إلى خمس رؤى مختلفة وهي تثمين مصادر المياه (تقييم منابع الماء وموارده والبيئات المائية)، وتثمين البنية التحتية للمياه (السدود وشبكات المياه تكون القيم عند تقديرها مبهمة او مهملة)، وتثمين خدمات المياه (بناء وتشغيل وصيانة)، وتثمين المياه كعامل مساهم في الإنتاج والنشاط الاجتماعي الاقتصادي، وتثمين الجوانب الاجتماعية والثقافية للمياه. فهذا التقرير يأتي كفرصة لاتخاذ إجراءات مناسبة بهدف مواجهة أزمة المياه العالمية. ومن المجالات الرئيسية التي يركّز عليها ايضا دعم تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة وهو توفّر المياه والصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030. ويؤكد التقرير على الحاجة إلى «استثمارات كبيرة في البنية الأساسية وإلى تكنولوجيات ملائمة واستخدام الموارد المائية غير التقليدية لتعزيز الإنتاجية والاستدامة وإتاحة فرص الحصول على المياه للجميع.

أما في الدول العربية فأن أكثر من ثلثي موارد المياه العذبة المتوفرة تعبر حدودا دولية واحدة أو أكثر. ولهذا تعتبر المياه في المنطقة العربية من المواضيع الأمنية في المناقشات الثنائية ومتعددة الأطراف بين الدول. ومع ذلك، فإن المنهجيات المشتركة المتبعة في تقدير القيمة الاقتصادية للمياه العابرة للحدود لم تدرج بعد في ترتيبات التعاون في المنطقة العربية. مع العلم أن %85 من السكان في المنطقة العربية يعيشون في ظروف تتسم بندرة المياه. وقد أدت هذه الندرة إلى زيادة الاعتماد على المياه العابرة للحدود، وموارد المياه الجوفية غير المتجددة، والموارد المائية غير التقليدية.

ويؤكد أهمية هذا الموضوع في الأردن، وبالرجوع الى توصيات قطاع البيئة في تقرير حالة الأردن «2020» الذي أعده المجلس الاقتصادي الاجتماعي تضمن: «ضرورة تطوير القدرات على تقدير التكاليف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للتدهور البيئي، وتعميم هذا المفهوم في دراسات الجدوى ودراسات تقييم الأثر البيئي ونظم المحاسبة المالية». وتوصيات قطاع المياه: «تحمل الشركات التابعة لوزارة المياه كلف التشغيل والصيانة، وخاصة كلف الطاقة الكهربائية، وألا تعتمد على الوزارة لتغطية هذه الكلف».

عانى قطاع المياه والخدمات في الاردن تحديات عديدة خلال جائحة كورونا تتضمن كلفة استمرارية الخدمات، وخدمة الفئات المهمشة والأكثر ضعفا واهمية وتوافر مرافق عامة لنظافة اليدين في أنحاء المملكة والمدارس. وفي سياق اختيار هيئة الأمم المتحدة «تثمين الماء» موضوعا لهذا العام، أرى بأن على القطاع الحكومي وبتشاركية مع الأكاديميين والاقتصاديين والمختصين في قطاع المياه ومع أعضاء اللجان المختصة في مجلس الاعيان والنواب والقطاع الخاص والمجتمع المدني إلى التباحث وتوفير فضاء لتبادل المعرفة حول تحديات تقييم وتثمين المياه في الاردن، وتقاسم الخبرات والممارسات النموذجية من أجل تحسين استخدام وتثمين المياه وتطوير التكيف والقدرة على الصمود ضمن ندرة المياه.، وتنمية القدرات حول كيفية تقييم المياه بشكل شامل وصحيح. هذه فرصة مناسبة لتحسين الفهم للقيمة الحقيقية والمتعددة الأبعاد للمياه، وتقديم توصيات لصانعي القرار على الصعيد الوطني.

أسئلة عديدة مشروعة وبحاجة الى البحث من حيث احتساب مخاطر الكوارث وفقدان خدمات النظم البيئية، وللبيئة قيم مهمة ليست بالضرورة قابلة للتقييم النقدي؟

"الماء هو أرخص موجود وأغلى مفقود».