هل تدركون الفرق؟

اخبار البلد ـ وكأنّ الدولة أمام حائط مسدود، فهي كفارس تحت القتام لا تستطيع الانتصار ولا تطبق الانكسار. إنها دولة صغيرة نسبياً وفقيرة مادياً، ولكنها غنية بالموارد البشرية بيد أنها مدينة بثلاثة وثلاثين مليار دينار أي ما يعادل ستة وأربعين مليار دولار تقريباً، ولا توجد لدى الدولة مصادر دخل مستدامة لسدادها. ولذلك تلجأ إلى سد الدين بالدين فيزداد الدين، وتدور الحكومة في حلقة مفرغة.

والشعب يطالب بالمزيد من الفرص والرفاهية، مع أنه ليس لدى الدولة ما تعطي أكثر له، فقد قدمت له أقصى ما لديها. غير أنه – بغياب الثقة – لا يصدق. يستشهد باستشراء الفساد كدليل عليه. وهكذا نشأت حالة من التوتر.
يتحدث متحدثون يوصفون بالخبراء، أن الإصلاح الاقتصادي هو الحل، فأي إصلاح يقصدون أو يريدون؟ هل يعرفونه وهل لديهم ضمانات لنجاحه؟
في أثناء ذلك، وبعد أن فشلت جميع الوصفات والحكومات في تحقيق هذا الإصلاح المفترض تظل الدولة بحاجة إلى قمح لتدور طاحونتها، لذلك تجد نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى «قمح» الشعب لتدور وتبقى، ويدور الشعب نفسه في حلقة مفرغة.
ويتحدث متحدثون آخرون يوصفون بالخبراء في الإدارة أن الإصلاح الإداري هو الحل. ويعنون به إصلاح الإدارة العامة. لقد تمت محاولات كثيرة لإصلاحها فقد أنشئ معهد للإدارة العامة، ثم وزارة لتطويرها وتطويعها، ولكنها لم تصلح لأن إصلاحها يعني أول ما يعني تخليصها من الحمولة الكبيرة الزائدة التي تداوم ولا تعمل، بالتقاعد. ولكن التقاعد يتطلب بدوره مبالغ طائلة للمتقاعدين ليعيشوا بكرامة وهي غير متوافرة، أو إنهاء (خدمات) الحمولة الزائدة مع مكافأة نهاية الخدمة لكل منهم، ولكن ذلك يتطلب أيضاً مبالغ طائلة غير متوافرة كما أنه يعني مضاعفة العاطلين عن العمل، وبالتالي زيادة التوتر.
أما إذا كان المطلوب بإصلاح الإدارة العامة تغيير سلوكها لتفتح ذراعيها للاستثمار المحلي والأجنبي، فإنها بحاجة إلى عملية جراحية طويلة في القيم /الأخلاق، وبحيث تتقدم أخلاق الواجب على أخلاق الحق، فالواجب في نهاية التحليل إنتاج، والحق في نهاية التحليل استهلاك، ولا استهلاك أي لا حق ممكن الحصول عليه بدون إنتاج سابق.
وملخصه: أن القطاع العام بما في ذلك الإدارة العامة كانا منذ الوحدة وظلاّ حتى سنة 1988 يسيران على رجلين في خدمة الدولة، ثم انفصلا بعدها، وصار يمشي على رجل واحدة. كما صارت الدولة في خدمة القطاع والإدارة العامة وليس العكس. ومن هنا نشأ الفساد وترعرع وتمأسس وأصبح عصياً على الاستئصال، فقد صار هم كل من هبّ ودبّ فيه تسلق جدران الدولة، والخروج حاملاً صرّة كبيرة كما تتجلى في الدور والقصور والسيارات والأرصدة.. وقد أدت هذه الحالة إلى تعاظم الواسطة والمحسوبية طردياً مع الفساد لدرجة أن من يحاول أن يكون مستقيماً في هذا القطاع لا يستطيع أن يسير مستقيماً في طريقه المعوج، وفي أي مستوى من مستوياته.
يحاججك بعض الناس وكثير منهم خبراء ومثقفون أن أميركا مدينة، وأن اليابان مدينة، وأن الصين مدينة وبنسبة أعلى من نسبة دين الأردن إلى دخله الإجمالي فما المشكلة؟ ويقولون لك ثانياً: لا أحد يموت مشنوقاً من دينه. هذا الكلام يذكرني بحكاية «ستي» زمان، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على السذاجة لأن أصحابه لا يعرفون الفرق بين الدولة المدينة بعملتها، وبين الأردن وأمثاله المدينين بالعملة الأجنبية أو الصعبة، كالدولار أو اليورو. فتلك الدول تستدين من صناديق الادخار والتقاعد والبنوك المحلية بعملتها (المحلية)، وتسدد بها. أما معظم ديون الأردن وأمثاله فبالعملة الصعبة ويجب أن تسدد بها، لأن عملتها المحلية لا قيمة لها خارج بلدها، ولذا يجب عليه أن ينتج ويصدر سلعاً وخدمات بهذه العملة أو تلك ليقوم بدفعها إلى الدول أو المؤسسات الدولية الدائنة لكن بعد اقتطاع ما يلزم منها لتلبية الحاجات الأساسية للدولة /المجتمع.
هل أدركتم الفرق؟
الحل هو التضحية، لكن هل يوجد لدى الدولة ما تستطيع التضحية به لسداد الديون التي تتراكم بالفائدة المركبة؟ وهل المواطن مستعد لذلك أيضاً؟ وختاماً فإن كل من يدرك يعرف الثمن السياسي الكبير الذي يمكن أن تدفعه الدولة إذا لم يضحِ الجميع مؤقتاً لتبقى.