رمضان الأب محمد جورج !

اخبار البلد ـ انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي عام 2002 صورة لفلسطينيين يؤدون الصلاة جماعة في باحة كنيسة المهد في بيت لحم التي لجأوا اليها من حملة مطاردات لقوات الاحتلال .وقتها رفع الأذان قس مسيحي تأكيداً على الأخوة بين أبناء الشعب الواحد .

تذكرت هذه الصورة وأنا أستمع الى مقابلة تلفزيونية مع الأب محمد جورج ، القس المسيحي من مدينة الكرك . يسأله المذيع باستغراب عن سر اسمه «محمد جورج» . يجيب القس بابتسامة المحبة و التسامح : وأخي اسمه أحمد ...»وأحمد أيضاً ؟ يستغرب المذيع . نعم أحمد . ولن أغير اسمي رغم ما اتعرض له أحياناً من مضايقات وخاصة في المطارات الأوروبية .

في كل رمضان يكتب القس محمد مقالاً يهنىء فيه «الأخوة المسلمين بالشهر الفضيل» . يقول :

قد يستغرب البعض من ان رجل دين مسيحي مثلي يكتب عن رمضان،ولكن عندما يعرف ان ابي «ابو محمد بهجت الشرايحه» رحمه الله اعطاني هذا الاسم «محمد» لا يعد يستغرب وحدة الحال بين ابناء الوطن الواحد.

ولكن قد يعتقد غريب مارق ان علاقة الانسان بأخيه الانسان ترتبط بالدين فقط، الذي هو اصلا لله،فالرابط المشترك بينهما هو الدين ومن لا يتبع ديني لا اتبعه،وهنا اللغط الكبير،والصحيح ان علاقة الانسان بربه هي الديانة الحق، التي تنظم علاقة الناس بعضهم ببعض ،بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية او العرقية،فالانسان اغلى ما على وجه البسيطة الفانية الى ان تزول هي وما عليها وبحسب ناموسه الشرعي يعامل الناس،ومن هنا نعيش رمضان كلنا معا،يصومون هم النهار كله ويصلون صلواتهم المعتادة ، يفطرون عند صلاة المغرب ونسمع نحن معهم ذات الاذان ونحن على شرفات بيوتنا نزورهم في بيوتهم ونفطر في مرات كثيرة معا، ندعوهم على مأدبة الافطار كما كان يفعل الخال ابو عمر جميل الهلسا رحمه الله ويدعوننا هم ايضا لكل مناسباتهم، ويسهرون هم على التراويح ليلا تعبدا لله ذاته الذي نعبده نحن كل ليلة.

تعلمت في المسيحية ان المحبة هي ام الوصايا وان الله محبة فعل ازلي يبقى يعمل فينا حتى اخر يوم في حياة كل منا ، علمني الإنجيل كيف اعبر عن إيماني بحب الاخر، علمني ان أحب اخي وشريكي بالمواطنة ، اخي المسلم.فالإنسان ، كل انسان ، بغض النظر عن اللون او العرق، الدين او الايدولوجيا الخاصة به هو موضوع حب بحد ذاته . علمني ديني حب الجار المسلم الذي نتشارك معه لقمة العيش من خير ذات الارض.

يمطر الله علينا يسقينا كلنا ، لا يسأل الله عندما يرزقنا عن هويتنا.

ليس القسيس محمد جورج المسيحي الوحيد الذي يرسخ أخوة التاريخ واللغة والقيم والدم بين أبناء هذا الشرق العربي بل سبقه كثيرون ومنهم رئيس وزراء سوريا في منتصف القرن الماضي فارس الخوري .

فعندما احتلت فرنسا سوريا حاولت استمالة المسيحيين، فأبلغ الجنرال غورو فارس الخوري بأن فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشرق، فقصد الخوري الجامع الأموي يوم الجمعة وصعد المنبر وقال مخاطبًا المصلين: «إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا كمسيحي أطلب الحماية من شعبي السوري، وأنا كمسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله»، فأقبل عليه المصلون وحملوه على الأكتاف وخرجوا به في مظاهرةٍ تطوف أحياء دمشق، وخرج المسيحيون من أهل دمشق يومها في مظاهرات حاشدة ملأت دمشق وهم يهتفون «لا إله إلا الله». وفي

سنة 1944، أصبح فارس الخوري رئيسًا للوزراء في سوريا فاحتفظ لنفسه بوزارة الأوقاف، فكان عامة العلماء والدعاة حينها في سعادة بالغة لهذا القرار، غير أن البعض حاول الاعتراض في البرلمان غامزًا من الخوري كونه مسيحيًا، فتصدى لهم نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك الشيخ الدمشقي عبد الحميد طباع قائلًا: «إننا نؤمن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا».

ليت السياسة لا تفسد الحياة . حياة البشر المؤمنين بوحدانية خالق الكون . فتختفي الحروب والنزاعات ويعم السلام الأرض.

* بالتزامن مع «البيان»