فليبدأ كل منا بنفسه يحاسبها ويساعدها

اخبار البلد ـ قلما يمر بلد في العالم، بين الحين والآخر، من غير معاناة أو أزمة ما: سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو كارثة طبيعية. والأردن – مثل غيره – ليس بناج من ذلك. إنه يمر بأزمة اقتصادية لأسباب وعوامل بنيوية كالفساد الإداري والمالي وقلّة الموارد، وتزايد السكان المزدوج، ونفسية اجتماعية تعليمية قيمية تنتهي في ضعف الإنتاج والإنتاجية، وعجزهما عن تلبية حاجات الناس الأساسية، والثانوية.
ولما كان لهذه الحالة/ الأزمة ضغوط شديدة على الناس، فإنهم يتبرمون ويحتجون، ويتظاهرون ويضربون ويعتصمون، مطالبين الحكومة وحدها بتفكيكها، بالقضاء على الفساد، وبعدالة التوزيع، وبتوفير فرص عمل لطالبيها، معتبرين الحكم وحكوماته المتعاقبة فقط مسؤولة عن الأزمة، وكأنه لا مسؤولية عليهم أيضاً فيها.
لقد انتقل المجتمع الأردني – مثل مجتمعات كثيرة غيره – من اقتصاد الكفاف، أو الاقتصاد المختلط، الذي كان سائداً حتى أواسط القرن العشرين الماضي، إلى الاقتصاد النقدي (Cash) أو اقتصاد السوق، كما تحول من مجتمع بسيط أولي العلاقات الاجتماعية، إلى مجتمع مركب، وكثير من قراه إلى مدن نمت واتسعت على حساب رقعته الزراعية والرعوية المحدودة ولا تزال.
ولما لم تلبِ هذه النقلة حاجات الناس الجديدة والمتغيرة والاستهلاكية المطردة، فقد غُطي هذا النقص بالمنح والقروض والديون، وبتحويلات المغتربين من أبنائه وبناته، وباستثمارات محلية وعربية وأجنبية محدودة وليست دائمة، لم تؤدِ جميعها إلى تغطية النقص والعجز، أي إلى الاستقلال الاقتصادي اللازم.
وللأسف ولسوء التعليم وإدارة التخلف، لم يُعلّم الناس ولم يتعلموا الإدخار والاستثمار، والموازنة بين الدخل والإنفاق (على قد فراشك مد رجليك) لقد تعلموا حب الوظيفة العامة المريحة والوجيهة، وقلدوا الحكومات بالدّيْن لتلبية حاجاتهم الثانوية أو الاستهلاكية المتفجرة بالتقليد، وبالدعاية والإعلان والعروض التي تسلب العيون والعقول.
ومما زاد الأزمة حدة استراتيجية البنوك في الإقراض لتمويل شراء سلع وخدمات أجنبية، كالسيارات والهواتف الذكية والسياحة، ما أدى إلى تراكم الديون عليهم وأخرّهم عن دفع الأقساط والفوائد لها في حينه بسبب الازدحام (المروري). وبذلك صارت الحكومة والمجتمع مدينين إلى شوشتهما.
ولما لم يحدث الاختراق (Break-thru) الاقتصادي المطلوب أو المنتظر فقد صارت الأزمة خانقة، فالحكومات تستدين لسداد أقساط الديون وفوائدها في مواعيدها، والضرائب والرسوم أو تحصيلها تزدادان لتغطية النفقات، ولكنهما لا تغطيانها، فما الحل؟ الحل مزدوج، أي أنه مثلما هو واجب على الحكومة القيام والنهوض لمواجهة الأزمة، فإن على المجتمع / الشعب أيضاً القيام بالمثل.
وقيام الحكومة ونهضتها يكون بلحلحة إدارتها (المشعتلة) وبضبط إيراداتها ونفقاتها، وإلغاء امتيازاتها، ومحاسبة الفاسدين الكبار والصغار علناً، وبحيث يتم عرض سير المحاكمات في التلفاز والإذاعة والجريدة والانترنت، لأن غياب ذلك يقلل من ثقة المواطن بالمحاكمات والحكومة. إن للشفافية عظم الأثر في كبح نزعة الفساد من جهة، وفي راحة البال وتعزيز الاستقرار من جهة أخرى.
أما بالنسبة للمواطن أو الأسرة أو المجتمع، فإن أول ما يجب على كل منهم القيام به لتخفيض وطأة الأزمة عليه، النظر في سلوكه ورغباته وعاداته الاستهلاكية، فإذا كان موظفاً / عاملاً فإن عليه القيام بواجبه كاملاً بحيث يملأ دوامه إنتاجاً وإنتاجية. وإذا كان مسرفاً فإنه يجب عليه ان يكف عن ذلك وأن يقتصد. وإذا كان متعاطياً لعادات مكلفة لا لزوم لها، فإنه يجب أن يتوقف عن مواصلتها فوراً، فالتوقف عن التدخين أو الأرجيلة المستهلكة للفلوس والصحة والبيئة اللتين نحرمهما على أطفالنا أحب الناس إلينا لأنهما ضارتان، قد يوفر لك ألف دينار أو أكثر في السنة، وهو ما لا يمكن الحصول عليه بزيادة في الراتب أو في الأجر مهما اشتد الحراك للحصول عليها. ومثله ما تنفقه على السياحة الخارجية، والهاتف الخلوي والسيارة.
ما أدعو إليه لست عنه بنجوة، بل أطبقه على نفسي، فأنا لا أدخن، ولا أُأَرجل، ولا اتباهى بالاستهلاك أو بالكرم التظاهري، ولا أقتني سيارة تُغلبني بأقساطها ومصروفها وصيانتها وحوادثها ومواقفها لأن سيارات الأجرة على الباب.