لماذا ندرِّس “الهولوكوست”..؟!
اخبار البلد ـ نشر «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» خلاصة مناقشة حول «تدريس المحرقة اليهودية في العالم العربي». واستضاف المعهد لترويج الفكرة ثلاثة عرب، هم علي النعيمي، رئيس مجلس إدارة «مركز هداية» الإماراتي لمكافحة التطرف العنيف؛ وزينة بركات، المنسقة الأكاديمية لكلية الوسطية للسلام وحل النزاعات» في جامعة فلنسبورغ؛ والمهدي بودرّة، من مؤسسة «جمعية ميمونة» المسلمة الملتزمة بالحفاظ على تراث الجالية اليهودية في المغرب.
مثل أي أناس يكتبون لمثل هذه المراكز المنحازة، كتب هؤلاء عن عدم تدريس «الهولوكوست» في المدارس العربية على أنه قصور، ينتمي في النهاية إلى العصبية الدينية والعمى المعرفي وربما كنوع من الظلم لليهود على أساس الدين والسياسة.
كتب النعيمي: «يُعد إحياء ذكرى الهولوكوست أمرًا بالغ الأهمية. وعلى الرغم من أنه يجب على المجتمع الدولي أن يفكر في مدى نجاحه في تحقيق العدالة للضحايا، إلا أن الحقيقة هي أن الكراهية بدافع الدين والسلالة والعرق ماتزال تتجسد في جميع أنحاء العالم. لذلك، المطلوب هو سردية جديدة تتوجه إلى كل القلوب والعقول، وخاصة الجيل الجديد». ويضيف: «في العالم العربي، عاش الجيل الأكبر في بيئة كان فيها الحديث عن المحرقة اليهودية بمثابة خيانة للعرب والفلسطينيين. ولم تنطق الشخصيات العامة بالحقيقة لأن الأجندات السياسية طغت على سرديتها».
وتذكر بركات إجراءات لتخليص الفلسطينيين من موقفهم من دراسة الهولوكوست، فتكتب: «أثبتت التجربة أن اتخاذ تدابير فعالة للتغلب عليها (أسباب النفور من تدريس الهولوكوست) يمكن أن تغيّر الأفكار بشأن المحرقة اليهودية. على سبيل المثال، خلال سلسلة الزيارات التي قام بها طلاب فلسطينيون إلى أوشفيتز وبوخنفالد، تأثروا بما رأوه وتعاطفوا مع الضحايا وتجربتهم المروّعة. وتعلموا أيضاً أن الإنسان يستطيع تقدير المآسي المختلفة في سياقها الخاص، وأن مقارنة الهولوكوست بالنكبة هو خطأ لأن التجربتين مختلفتان تماماً. بالإضافة إلى ذلك، أن تثقيف الفلسطينيين عن المحرقة يساعدهم على احترام الحقائق التاريخية، وفهم الحاجة إلى تفادي تكرار مثل هذه المآسي، والتصدي لمعاداة السامية».
ويكتب بودرّة: «قامت منظمات مغربية، مثل جمعية ميمونة، بتنظيم حملات وبرامج تربوية ومؤتمرات للتوعية حول المحرقة وتثقيف المسلمين. ويمكن أن تكون هذه التجربة بمثابة أساس للجهود التربوية في العالم العربي ككل».
حقاً؟ يكره العرب الصهاينة المستعمرين بدافع الدين والسلالة والعرق؟ ولا تنطق الشخصيات العامة بالحقيقة لأن السردية السياسية طغت على الإنسانية في التعامل مع الصهاينة؟ وهل يجب أن يتعاطف الطلاب الفلسطينيون مع معذّبيهم لأن أجدادهم البولنديين والألمان تعرضوا للأذى، وأن يميزوا بين المحرقة والنكبة، وأن يتصدوا لمعاداة السامية (التي يمارسونها كما توحي الكاتبة)؟ وهل يجب أن يكون تثقيف المسلمين عن المحرقة أساساً للجهود التربوية في العالم العربي ككل»؟
من حيث المبدأ، لن يختلف أحد على أن استهداف أي أحد على أساس العرق أو الجنس أو الدين مرفوض، وأن أعمال الإبادة الجماعية مدانة أينما كان وفي أي وقت. وإذا كان اليهودُ قد استُهدفوا في ألمانيا أو غيرها، فإن العرب يمكن أن يتعاطفوا معهم مثلما نفعل مع قبائل التوتسي الرواندية التي تعرضت للإبادة الجماعية، أو الهنود الحمر الذين أبيدوا في أميركا، أو غيرهم من ضحايا الإبادات. لكن الثلاثة كتاب لم يقترحوا تدريس هذه المذابح في المدارس العربية. ولم يقترحوا تدريس النكبة الفلسطينية في المدارس الأوروبية والأميركية– وحتى العربية. ولم يقولوا شيئاً عن التعريف بالهولوكوست كحدث بين أحداث التاريخ. إنهم يريدون فقط خلق تعاطف ليس مع اليهود، وإنما مع الكيان الصهيوني باعتبار أن أصحابه ضحايا يجب قبولهم بدلاً من الفلسطينيين في المنطقة، وتعويضهم بالحب وكل شيء عن المظالم التي ألحقها بهم الأوروبيون.
يقول الباحث والناشط الحقوقي والمؤلف اليهودي المغربي، يعقوب كوهين، في محاضرة: «ما تزال إسرائيل تستخدم قضية الهولوكوست لتبرير الاحتلال وكسب تعاطف الرأي العام العالمي». و»تحاول إسرائيل الاستثمار في هذه القضية… من أجل تلميع صورتها العامة وإلهاء العالم عن الانتهاكات التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني».
لماذا يشارك العرب في تلميع صورة الكيان في دولهم وفي إلهاء أبنائهم عن عذابات مواطنيهم الفلسطينيين، وفي جهد تعليمي منهجي مقصود؟ لا تخفى نوايا هؤلاء الذين تجردوا من الإنسانية والحق والأخلاق، وانضموا إلى معسكر أعداء أمتهم والإنسانية، وللمزيد من إذلال أنفسهم ومواطنيهم.