الاحتجاج ليس حقاً لكل من هب ودب
الحرية المطلقة مفسدة مطلقة تماما كما هي السلطة المطلقة مفسدة مطلقة, وليس صحيحا ان الربيع العربي وفر بيئة ديمقراطية سليمة للعمل الاحتجاجي الحر كأحد ادوات المعارضة للضغط على الحكومات والسلطات الحاكمة من أجل التغيير واصلاح الحال في اي بلد كان، ما وفره الربيع العربي من فرص للفوضى استغلتها جهات وافراد وكتل بشرية لم تكن تمارس السياسة مطلقا، ولكن شهية الانتقام من الانظمة الحاكمة حركت لديها نزعة الثأر لفقرها وبؤسها وتهميشها في المجتمعات العربية الشمولية، كما هيأ الربيع العربي كل الظروف لتوسيع نطاق الاحتجاج جغرافيا ليشمل المناطق خارج العواصم والمدن الرئيسية وتغيرت اشكاله تبعا لمستويات الغضب وطرق النظام في الدفاع عن نفسه فبينما راوحت وسائل الاحتجاج حمل اليافطات واطلاق الهتافات في تونس مثلا, فانها شهدت عسكرة للمحتجين في ليبيا وسوريا وربما اليمن لاحقا,وبينما اكتفى الاردن بحراسة المظاهرات وتحديد مسارات لها داخل شوارع العاصمة، تم اطلاق النار على المتظاهرين في دول أخرى.
في الاردن ظهرت معارضات غير منظمة الى جانب المعارضة الوطنية المعروفة ذات البرامج,وبعض المعارضات الجديدة لا تملك من الخبرة والمعرفة ما يؤهلها لضمان عواقب الخروج الى الشارع متحللة من ضميرها الوطني او جاهلة لمعنى وقيمة الاعتراض والغاية منه ثم الوعي الكامل بحدود اي اعتراض حتى من ناحية الوقت، فالاحتجاج يقابل اما بالاستجابة واما بالرفض، في الحالة الاولى ينتهي الاحتجاج لتحقق الهدف، وفي الحالة الثانية يتواصل لحين تحقق الهدف، ولكن هل هذا ما يجري في الاردن الآن بعد عمل شاق وحقيقي على طريق الاصلاح مستمر منذ سنوات وليس فقط منذ شهور معدودة هي عمر الربيع العربي..!؟
مشكلتنا الاولى الآن وفي هذه اللحظة من تاريخ بلدنا ان المعارضات الطارئة التي انجبتها شهوة مواجهة الحكومات والانتصار عليها، واغرتها مشاهد الخروج الى الشوارع ورضوخ السلطة احيانا لتقديم تنازلات خارج نطاق الصالح العام، هذه المعارضات انتشرت في مختلف انحاء المملكة داخل المؤسسات الرسمية على شكل حالات من التذمر، وفي الجامعات وفي الشركات التي تساهم فيها الدولة وفي بعض المدن الصغيرة وفي القرى والبوادي، حتى انها مارست شكلا فوضويا من الاحتجاج أخل بالمعادلة الامنية المقدسة بالنسبة للاردن، وانتهكت القوانين وقطعت الطرق في حالات عدة ولاتفه الاسباب,ومع اقدام الدولة الاردنية على خطوات استباقية لتحقيق اصلاحات لم ترد اصلا لا في شعارات المعارضة ولا في هتافاتها, غيرت المعارضات الطارئة تكتيك الاعتراض، فبينما كانت الحجة تحقيق الاصلاح في قضايا عامة تهم كل الناس, صار بمقدور عدد محدود جدا من اصحاب السوابق قطع الطريق والاعتداء على سيارة شرطة او منع الناس من العبور الى اشغالهم وشؤونهم والحجة المطالبة بالاصلاح او تحقيق اهداف عامة، بينما الواقع غير ذلك تماما كما تدل على ذلك قصص كثيرة اصبح لها ارشيف سمين في مديرية الامن العام، فقد شهدت بعض اطراف المملكة حالات اعتصام واحتجاج واحراق عجلات لاسباب مخجلة كأن يكون الطلب مثلا منع محاكمة مطلوبين للعدالة او اغلاق ملفات امنية وحتى قضائية، وبعض المناطق شهدت احتجاجات عنيفة لان مسؤولا من هذه العشيرة او تلك استدعي للتحقيق معه في شبهة فساد لم تثبت عليه بعد، وقصص اخرى لا علاقة لها بالاصلاح وانما بالفوضى التي منحتها ثورات الربيع العربي لكل من هب ودب كي يمارس الاحتجاج بطريقته الخاصة وللهدف الذي يراه مناسبا، والمصيبة فعلا ان هذا النوع من الاحتجاج ينتهي عادة بنتائج جيدة للمحتجين مما يشجع على تفشي ظاهرة ابتزاز الدولة.