القومية بذرة فناء معتقدها

‏ يعرف المفكر العربي عزمي بشارة القومية العربية والذي هو احد أنصارها ‏بقوله ( القومية العربية ليست رابطة دم ولا عرق، بل هي جماعة متخيلة بأدوات ‏اللغة ووسائل الاتصال الحديثة تسعى إلى أن تصبح أمة ذات سيادة )، و يعرفها ‏نصيرها أيضا المفكر ساطع الحصري بأنها ( العناصر الأساسية في تكوين القومية ‏هي وحدة‎ ‎اللغة ووحدة التاريخ، وما ينتج عن ذلك من مشاركة في المشاعر ‏والمنازع، وفي الآلام‎ ‎والآمال‎(‎ ‏.‏
‏ ويعرفها الكاتب أ.عبد العزيز أمين عرار ( القومية العربية هي شعور وإحساس ‏الفرد العربي بالانتماء إلى الجماعة العربية (الأمة العربية)، وهي الأمة التي تشكلت ‏منذ نشأة الإنسانية بفعل مجموعة عوامل ومنها وحدة اللغة والتاريخ الطويل ‏المتسلسل والآمال والتطلعات المشتركة، ووحدة الأرض والجغرافيا الطبيعية، ووحدة ‏التطلعات والمصير المشترك)‏ ‏.‏
‏ وعرفتها الندوة العالمية للشباب الإسلامي على أنها ( حركة سياسية فكرية ‏متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم، على أساس من رابطة ‏الدم واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين)‏ ‏. ‏
‏ فالقومية العربية حركة تغريبية بحته بصناعة عربية، إذ تقوم فكرة القومية على ‏أن أساس ترابط الجماعات قائم على انتمائهم العربي فقط، ويتم بشكل أساسي استبعاد ‏الدين من المعايير التي تحكم التفاعل الاجتماعي الذي يربط أفراد المجتمع المنتمي ‏لهذه القومية.‏
‏ فكل من يتكلم العربية هو عضو افتراضي في هذه القومية، وكثير هم أنصار هذه ‏القومية وكثير من يستظل بظلالها بدون أن يعرف ماهيتها وأهدافها فالصورة العامة ‏تبدوا لنا عن هذه الحركة وكأنها قصر مشيد من الخارج يعجب النظار له وهي من ‏جانبها المظلم لا تعدو أن تكون بذرة فناء للحضارة العربية الإسلامية حسب رغبات ‏وأهواء القوميين العرب، فمفهوم العربي الذي تقاربت القومية منه واعتمدته أساس ‏لها وربطت التكوين الاجتماعي لأعضائها وأنصارها به ( كل من يتكلم العربية ‏وبغض النظر عن دينه ومعتقده).‏
‏ فالفارق بين العربي والقومي العربي أن كل عربي له حرية الاعتقاد والتدين إلى ‏جانب لغته العربية فلا قيد ولا حصر عليه، بينما القومية العربية فهي رابط اجتماعي ‏يلغي الدين ويعزز اللسان العربي فقط.‏
أما لفظة قومي بحد ذاتها والتي تعتبر جزء أساسي مرتبط بلفظة عربي أو عربية، ‏فهي وحدة قياس أو وحدة تصنيف وتحديد وحصر، تخرج جماعة جزئية تمتاز ‏بصفة محدده من رحم جماعة اكبر تتعدد صفات منتسبيها بحيث تكون اشمل واعم.‏
‏ ويصف سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى القومية العربية بأنها: "دعوة ‏جاهلية إلحادية تهدف إلى محاربة الإسلام والتخلص من أحكامه وتعاليمه ". ويقول ‏عنها: "وقد أحدثها الغربيين من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره ‏بزخرف من القول.. فاعتنقها كثير من العرب من أعداء الإسلام واغتر بها كثير من ‏الأغمار ومن قلدهم من الجهال وفرح بذلك أرباب الإلحاد وخصوم الإسلام في كل ‏مكان ". ويقول أيضاً: "هي دعوة باطلة وخطأ عظيم ومكر ظاهر وجاهلية نكراء ‏وكيد سافر للإسلام وأهله".‏
‏ ظهرت بدايات الفكر القومي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ‏متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة ‏العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم ‏في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس ‏سنة 1912م ‏.‏
ويقول الشيخ عبدالله عزام رحمه الله في كتابه القومية العربية بعد بيان حكم الإسلام ‏في القومية العربية: ولزيادة الطمأنينة أنقل إليك بعض النصوص الكريمة من فم ‏النبوة الشريف: ‏
‏1 - عن جندب بن عبدالله مرفوعا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (من قتل تحت ‏راية عمية، يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية، فقتله جاهلية) وفي رواية (من قتل ‏تحت راية عمية، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلته جاهلية). ‏
‏2 - عن جبير بن مطعم مرفوعا (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل ‏على عصبية، وليس منا من مات على عصبية). ‏
‏3 - عن ابن مسعود مرفوعا (من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي ‏في مهواة فهو ينزع بذنبه). ‏
‏4- عن أبي مرفوعا (إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا ‏تكنوا). أعضوه بهن أبيه: أي قولوا له: عض أير أبيك - هكذا في النهاية لابن الأثير. ‏
‏5 - عن أبي هريرة مرفوعا (لينتهين أقوام يفتخرون بأبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم ‏جهنم أو ليكون أهون على الله من الجعل الذي يدهده الحزء بأنفه، إن الله أذهب عنكم ‏عبية الجاهلية وفخرها بالأباء إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، ‏وأدم خلق من التراب). ‏
هذه النصوص فيمن يعتز بآبائه الجاهليين، فكيف بمن يقدم الجاهلية على الإسلام ؟ ‏وكيف بمن يقول: (إن العروبة مصدر إلهامنا، ومصدر مقدساتنا، عنه تنبثق المثل ‏العليا، وبالنسبة إليه تقدر قيمة الأشياء، والعربي هو سيد القدر). ‏
وكيف تحكم على البعث الذي كتب في جريدته عن مشيل عفلق" الإله العائد "، وقال ‏شاعرهم: ‏
يا سيــدي ومعبودي حسبي ألم فتاتكم حسبي ‏
وكيف تحكم على البعث السوريين الذين يقولون: (إن الطريق الوحيد لتشييد حضارة ‏العرب وبناء المجتمع العربي: هي خلق الإنسان الاشتراكي العربي الجديد الذي ‏يؤمن أن الله والأديان والإقطاع ورأس المال والاستعمار والمتخمين وكل القيم التي ‏سادت المجتمع السابق ليست إلا دمى محنطة في متاحف التاريخ).‏
‏ إن القوميين يصرحون على لسان قادتهم (ألحدنا بكل الطقوس والعلاقات ‏والأديان، اتهمنا بالإلحاد وكان ذلك صحيحا - رغم كل ما زعم البعثيون فيما يعد من ‏مزاعم التبرير- لقد كنا خوارج على كل الشرائع التي تعارف عليها الناس فنسفناها).‏
إذا هذه هي القومية العربية دعوة هدامة انظم تحت لوائها المغرض والفاسد والمغفل ‏فهي بذرة فناء معتقدها.‏


kayedrkibat@gmail.com