«بي بي سي»: إعلام يشبه الناس


السنوات الأربعمائة التي قضاها العثمانيون في زيارة ثقيلة لبلادنا،أخّرتنا عن ركب الحضارة ربما ألف سنة !ففي كل مرة تتاح لنا الفرصة للإطلاع على تجارب الغرب وخبراتهم تتجدد هذه الحقيقة. قضيت مع زملائي أسبوعاً في ربوع البي بي سي في لندن «ونوريتش» حيث شعرت بالسنوات الضوئية التي تفصلنا عنهم. لدينا في التلفزيون والإذاعة ذات التكنولوجيا التي يمتلكونها تقريباً- لكن العبرة بعقل وإدارة البشر لا بما يملكون.
تكاد تكون الميزة الوحيدة للتلفزيونات الحكومية هي تلك الدورات التدريبية التي نحصل عليها من أوروبا وأميركا. فتلك الحسنة قادتنا الى لندن التي - بكل الحداثة التي تميزها-ما زال التاريخ فيها كائناً حيّاً يمشي في كل ملامح الحياة الإنجليزية العريقة. الدعوة مقدمة من محطة بي بي سي أُم الإعلام العالمي والتي تؤمن بأن الإعلام هو أولا تعليم ثم إخبار ثم ترفيه مسؤول.
ميزات البي بي سي بقنواتها الكثيرة: التلفزيونية والإذاعية ؛ أمر يعرفه من قبلنا آباؤنا. فقد وُلدنا وعلى أذانهم راديو صغير تؤشر إبرته على أخبار البي بي سي العربي. تلك الاخبار التي عندما خرج صوت مذيعها من يافا لأول مرة، وصفت محمد جمجوم وحجازي بأنهم « شهداء « وليس قتلى كما تقول بعض الإذاعات العربية ! صحيح ان الناس تربطها بالإستعمار الإنجليزي، ولكن بشيء من الحياد والإستقلالية التي تفتقد اليها الكثير من تلفزيوناتنا وإذاعاتنا العربية اليوم.
المهنية الرفيعة التي تميّز أسلوب اعلامهم هي ما يُحسدون عليه ! والأهم هو النظرية التي يعتمدونها مذهباً في كل التفاصيل وهي نظرية: «المسؤولية المجتمعية» التي تجعل الإعلام يلعب دوراً تنموياً يحمي مواطنيهم من أي مخاطر تتسرب عبر الأخبار او البرامج. وقد أجرينا لهم - كجزء من خطتهم التدريبية حتى للمحترفين - استطلاعاً للرأي سألنا الناس فيه عن رأيهم بما يبث ويذاع بكل محطات بي بي سي، فكانت أغلب الإجابات تشير لعلاقة قرب عائلي وحميمية ودفيء بينهم وبينها.
إطمئنان البشر أنهم هم وأولادهم بمأمن من السموم التي يسربها الإعلام،وبأن هناك عينا تحرس فكرهم وحضارتهم هي خلاصة ذلك الإستطلاع الذي أكّد لنا ان الإعلام المؤثر هو فقط ذلك الذي يشبه الناس.
هذه انطباعات عاجلة، والتفاصيل تأتي قريباً !

ikramdawud@yahoo.com