جنوح السفينة "إيفر غيفن".. من المستفيد؟
أخبار البلد-
ضج العالم بأسره إثر أزمة "جنوح" سفينة الحاويات البنمية المملوكة لشركة شويكيسن اليابانية في قناة السويس صباح يوم الخميس الموافق 23/ 3 في حدث استثنائي أعلن الخبراء أنهم لم يسمعوا به من قبل في تاريخ القناة الممتد عبر 150 عاما. وأعاقت السفينة حركة المرور في الممر المائي، ما تسبب في حدوث صدع للتجارة العالمية، حيث ارتفعت أسعار الشحن لناقلات الوقود وتأثرت سلاسل الإمدادات العالمية لكل شيء من الحبوب حتى ملابس الأطفال، ومن المتوقع أن تستمر تداعيات هذا الاضطراب التجاري لعدة شهور.
وقد قُدرت خسارة القناة من بين 12-14 مليون دولار عن كل يوم، فيما قدرت خسائر التجارة العالمية بـ 400 مليون دولار في الساعة، ما يدفع للسؤال عن إمكانية تعويض هذه الخسائر الفادحة ومن سيكون المسؤول عن تأمينها.
وبحسب التفسيرات الأولية لأسباب جنوح السفينة، فقد تم إعادتها لسوء الأحوال الجوية وازدياد سرعة الرياح تلك الليلة، فيما استبعد المسؤولين أي خلل فني أو خلل في المحرك كسبب لجنوح السفينة. إلا أنه وبنظرة سريعة لمجريات الأحداث يمكن رؤية عكس ذلك، إذ رصدت وكالة "نوفوستي" الروسية صورا وفيديو يكشفان عن مسار دائري وغير مفهوم سلكته السفينة العالقة في القناة قبل الجنوح، فيما ذكرت تقارير أولية عن انقطاع التيار الكهربائي عنها قبل الحادث.
بنظرة منطقية نرى أن حجم السفينة "ايفر غيفن" ضخم جدا، يبلغ طولها 400م وعرضها 59م بحمولة إجمالية تصل لـ 224 ألف طن ما يجعل من الصعب أن تكون عرضة لتقلبات الأحوال الجوية، هذا إذا أضفنا إلى ما سبق أنها حديثة الصنع، فهي من فئة الحاويات العملاقة حديثة الصنع التي تم بناؤها في العام 2018.
من جهة أجرى، فإن وصف "جنوح" لا ينطبق على الوضع الذي استقرت عليه الناقلة، حيث استقرت بعرض القناة حتى سببت إغلاقها تماما فيما الجنوح من ناحية لغوية يعني ميلها لأحد الجوانب حتى تلتصق فيه. "جنحت السفينة: انتهت إلى الماء القليل فمالت ولزقت بالأرض، فلم تمض". سفينة إيفر جيفن لم تجنح بل تعرضت في عرض القناة.
فمن المستفيد من إغلاق واحدة من مسارات التجارة العالمية الرئيسية والتي تؤمن عبور ما بين 10-12% من حركة التجارة البحرية العالمية لجميع السلع. وهل كان هذا حادثاً عرضياً أم مدبراً؟
هناك أكثر من مستفيد من هذه الأزمة الدولية التي تتخذ شكلاً لحرب اقتصادية إن هي كانت مدبرة، فقد كانت روسيا من أواخر الدول التي عرضت المساعدة على الحكومة المصرية في تعزيم السفينة، وكان هذا قبل نجاح تعويمها بيوم واحد فقط. فيما سارعت روسيا لطرح بديل جديد لمرور السفن، وهو الطريق الذي تروج له موسكو منذ سنوات، حيث طرحت الممر البحري الشمالي بديلا عن قناة السويس، والذي طالما روج له الرئيس الروسي طريقا ملاحيا على طول الساحل القطبي الروسي باعتباره بديلا لقناة السويس. فموسكو تخطط لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية على الأخص بعد أن بات معظمه خاليا من الجليد.
من جهة أخرى، تفتح حادثة جنوح السفينة الطريق أمام تنفيذ أو على الأقل البدء بدراسة تنفيذ مخططات أمريكية تعود لستينات القرن الماضي، وتتضمن بناء قناة بديلة عن قناة السويس تمر عبر صحراء النقب وتربط البحر المتوسط بخليج العقبة وتفتح منفذ إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، وكانت المشكلة الوحيدة لتنفيذ هذا المخطط آنذاك هي معارضة دول الطوق المحيطة بإسرائيل لتنفيذه. إلا أن الأمر قد تغير في الوقت الحاضر نتيجة التحولات السياسية الحاصلة في المنطقة خصوصاً بعد توقيع سلسلة من اتفاقيات التطبيع التي بدأتها إسرائيل مع الدول العربية المجاورة وحتى غير المجاورة، والتي بات من الممكن أن تعمل على تذليل العقبات أو في أسوأ الأحوال تذليل جزء منها، سواء على عن طريق تعزيز التعاون الاقتصادي أو السياسي لشق مثل هذه القناة. وإذا استذكرنا حادثة تدمير مرفأ بيروت وطرح مرفأ حيفا بديلا فلا يمكن أبدا استبعاد فرضية تورط إسرائيل في الحادثة بمساعدة أمريكية.
وأخيراً، تفسح هذه الحادثة المجال لعودة الحياة لطريق رأس الرجاء الصالح بشكل أقوى، وهو الطريق البحري الرابط بين آسيا وأفريقيا عبر الدوران حول أفريقيا، وكانت تمر عبره السفن التجارية إلى آسيا قبل حفر ممر قناة السويس، ومع أنه الأطول من حيث المسافة والأكثر كلفة إلا أنه ربما يكون بديلاً مقبولاً.
وسواء أكانت حادثة جنوح السفينة حادثا عرضياً أم مدبراً، فإن الفرصة أصبحت مواتية لنقاط العبور المنافسة لانتزاع زبائن القناة حتى وإن استغرقت وقتاً أطول أو كلفة مادية أعلى. فقد فتحت الحادثة الأعين على تنفيذ مخططات قديمة طال انتظار الفرصة المواتية لتنفيذها، بعد أن أثر هذا الحدث على سمعة ومستقبل هذا المجرى الملاحي، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة