أماكن «قلقة» فـي الإدارة الأردنية
اخبار البلد - هناك جهات حكومية في الإدارة الأردنية تعاني من قلق المكان والصفة وحتى الاسم... فترى الحكومات المتعاقبة تتعامل مع بعض الهيئات والوزارات بما فيها تلك ذات الصفة المدنية/ الحكومية المختلطة، وكأنها كرة يتم تقاذفها بكل الاتجاهات مع كل تغيير حكومي. وذلك بالطبع يتم تحت يافطة (الإصلاح الإداري). وهو الشعار الملازم لكل حكومة جديدة. إلا أن الأمر ومع الأسف يبقى في دائرة التجريب والانتقائية، وأحياناً تحكمه أسباب تنقصها الموضوعية أو توخي المصلحة العامة.
وهناك أمثلة عدة على ذلك..
«1»
• إن الإطارات الإدارية الخاصة باللامركزية/ المجلس التنفيذي ومجلس المحافظة، بقيت لأكثر من عقد من الزمن، دون أن تتبلور هويتها او مرجعيتها، فكل حكومة تأتي ولعدم معرفتها كما يبدو بالأهداف المتوخاة من هذا النظام الاداري المتطور فانها تجتهد بوضعها في مكان في إطار الادارة الأردنية، لتأتي حكومة أخرى فتغير ذلك المكان!!. حيث كانت البداية بتبعية منظومة اللامركزية لوزارة الداخلية لتأتي حكومة أخرى فتقوم بتوزيع «دمها» وهيئاتها على ثلاث وزارات, فالمجلس التنفيذي تم اتباعه إلى وزارة الداخلية, ومجلس المحافظة الى وزارة التنمية السياسية أما القضايا المالية فقد تم الإجتهاد بأن تكون جزءاً من وزارة التخطيط..!!
إلى أن استقر الأمر كما يبدو اخيراً، أن أصبحت اللامركزية جزءاً من وزارة الإدارة المحلية- ومع تحفظي أن تكون اللامركزية والبلديات في مسمى واطار واحد، لاختلاف الفلسفة والمهام والغايات التي تقف وراء كل منهما.. إلا أن ذلك يمكن قبوله على قاعدة أهمية الاستقرار الاداري، على أن يتم توزيع المهام و فصل الهياكل الادارية للامركزية و البلديات، حتى لا نقع في مطب من أزدواجية في العمل أو تضارب في الأهداف.
والحقيقة أن «اللامركزية» وتطبيقاتها في بلادنا، قد أتت مثل وليدٍ مشوه يعاني من خلل خلقي.. قابل للعلاج، لكنه للأسف و في الحالة الأردنية فان حكوماتنا المتعاقبه لم تتوصل بعد الى ذلك العلاج!. وبالخلاصة فان اللامركزية في الإدارة هي في الحقيقة مركزية بلبوسٍ آخر.
«2»
• أما الموضوع الآخر والأكثر غرابة، هو ما يتعلق بالجهة المختصة بتطوير الإدارة في الحكومة وفي القطاع العام.
فقد بدأت القصة بإنشاء وزارة للتنمية الإدارية لتصبح فيما بعد وزارة تطوير القطاع العام ومن ثم وزارة تطوير الأداء الحكومي, ومرة تكون وزارة مستقلة بوزيرٍ وجهاز إداري ضخم، وتارةً يُعهد بها إلى وزير دولة بلا حقيبة!!. إلى ان جاءت الحكومة العتيدة الحالية فذهبت إلى الغاء هذه الوزارة تماماً..!!. وكأن الحكومة قد اكتشفت أن الادارة الأردنية «كاملة الزين» ولا تحتاج الى تطويرٍ أو إعادة هيكلة!.
الثابت من كل تلك التبدلات أننا نعيش في حالة من التخبط و عدم الادراك لمفهوم التطوير الأداري، والذي أدى بنا الى هذه السلسلة اللامتناهية من الإجراءات التجريبية، والتي لم تعط اي ثمرٍ!. والعجيب أن جميع الأجراءات الحكومية تلك تأتي تحت شعار رنان «الاصلاح الإداري» حيث نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً..!!
«3»
وهناك قصة لا تقل غرابة هي المتعلقة بالاستثمار، فبالرغم من أهمية مضمون هذا المصطلح «الاستثمار» والذي يلخص أهدافنا بالتنمية وتعظيم الاقتصاد الوطني وخلق الوظائف ودحر الفقر وتوفير فرص العمل، فإن التعامل الحكومي مع الاستثمار لا يقل غرابة عما سبقه من أمثلة..
فهي في مرحلة دائرة تابعة لوزارة الصناعة، ثم مؤسسة مستقلة يترأسها وزير الصناعة، ثم وزارة مستقلة إلى أن أصبحت هيئة استثمار مستقلة. حتى جاءت الحكومة الحالية فجمعت بين الاستثمار و وزارة العمل بوزيرٍ واحد ولخمسة أشهر فقط. لتعود فيما بعد و تتراجع عن موقفها فيتم انفكاكها عن وزارة العمل ليصبح الاستثمار في مهب الريح. وها نحن ننتظر من الحكومة عما سوف تتحفنا به من مسمى جديد للاستثمار و الحلة الجديدة التي سوف يرتديها!.
«4»
وبعد.. ما هي إلا أمثلة تأشيرية تؤكد أن بناءنا الإداري يشكو من حالة مزمنة من عدم الاستقرار، بل وعدم معرفة. وأن سلسة القرارات والتبديلات بين خلق المؤسسات أو الوزارات أو الهيئات ومن ثم العودة عنها على قاعدة الايجاد والالغاء، لا تخضع لأي دراسة أو تقييم موضوعي، حيثُ لايتم رصد الأثر الايجابي أو السلبي لوجود وزارة أو هيئة ما من عدمه.
فثنائية التجريب و الانتقائية هي سيدة الموقف بإداء حكوماتنا. حلقة دوران حول النفس بلا جدوى، لن تتمكن من إحداث النجاح الاداري المطلوب. فالأمر يحتاج الى دراسة مستفيضة لدور كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة أو شركة بحيث يتم اتخاذ القرار وفق أسس علمية بعيدة عن الاجتهادات المتسرعة. فالقلق الآن هو ما يطبعُ سلوك الإدارة الأردنية.
والله ومصلحة الأردن من وراء القصد