ضحايا المفاهيم الخاطئة


زادت في الآونة الأخيرة حوادث العنف في مجتمعنا، وخاصة تلك التي يتم فيها الاعتداء على النساء وإنهاء حياتهن بسبب مشاكل عائلية. لقد كانت قضايا الشرف غالبا ما تكون حجة لتلك الاعتداءات، ولكننا شهدنا في الآونة الأخيرة حوادث مأساوية برزت فيها حالات الاعتداء بأسبابها الحقيقية، وهي امتهان المرأة وتدني قيمتها في المجتمع بوصفها الحلقة الأضعف، واستغلال تقاليد المجتمع البالية وخصوصية حياة المرأة وطبيعتها للاعتداء على حقوقها.
التركيز على التمكين الاجتماعي يشكل أولوية في عالم النساء اليوم وهو يمثل بصورة أخرى حقوقها الإنسانية الأساسية في اتخاذ القرارات الخاصة بحياتها كالزواج واختيار شريك الحياة أو الانفصال عنه أو الحق في الإنجاب أو التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة أو التعبير عن الرفض والاحتجاج داخل الأسرة أولا ثم خارجها، لأن الديموقراطية التي نتغنى بها ليل نهار الأصل أن تتجذر في حياتنا بوصفها نظام حياة، تبدأ من الجذور من الأسرة والمدرسة والجامعات، ثم تمتد لتتغلغل في قطاعات المجتمع الأخرى. إذ يجب أن لا يسمح الأبوان للإخوة بالتدخل لفرض الرأي على الأخوات أو إسكاتهن أو التدخل في قراراتهن، وتنشئتهم على احترام حقوق شقيقاتهم وزوجاتهم وترسيخ هذه المبادئ فيهم ليطبقوها في حالة انسحاب الأبوين أو أحدهما من الحياة لأي سبب من الأسباب.
القضية بهذا المفهوم هي قضية تربوية، الأصل أن تتبناها مناهج وزارة التربية والتعليم وتؤكد عليها في جميع المراحل الدراسية وتعمقها من خلال كتب التربية الوطنية وترفدها بالأمثلة والقصص والفنون وغيرها، يساندها الإعلام في ذلك، مع ضرورة التركيز على فئة الذكور، إذ من المؤسف أن يتحول الأخ إلى مجرم يعتدي على حياة شقيقته لأن المجتمع غرس في ذهنه أنها ناقصة وضعيفة وغير عاقلة ومشروع فضيحة، ومن غير المقبول أيضا أن يصبح الأخ مصدر تهديد ورعب وقلق في حياة شقيقته لمجرد أنه ذكر وهي أنثى كرمها الله بكل معاني الخير والحب والإنسانية.
تراودنا جميعا اليوم أحلام التقدم وتحقيق الكرامة والحرية، ويعمل كثيرون من أجل جعل هذه القيم حقيقة وواقعا نعيشه في مجتمعاتنا، لهذا فإنه من المحبط لنا جميعا أن نشهد حالات اعتداء غير إنسانية على أي كان في مجتمعنا،  ويخجلنا أن تكون النساء ضحايا المفاهيم والتربية الخاطئة في كل مرة، إذ نرفض أن تصادر حقوق الفتيات وحقوق الشباب أيضا مهما كانت الذرائع والأسباب، ولهذا أيضا نسجل رفضنا للاعتداء والجريمة مهما كانت ظروفها وملابساتها، ونرنو نحو إعادة بناء مجتمع محب ومتكافل وديموقراطي يحترم كل فرد فيه حقوق جميع أفراده. ويسعى للتفاهم عبر الحوار.
 نأمل أن تعمل الحكومة على تحسين الظروف الاقتصادية للناس وزيادة النمو لتوفير فرص العمل للحد من الفقر والبطالة التي تساعد على حدوث مثل هذه الجرائم والأعمال الإرهابية. وأن تتبنى قضايا الجندر الاجتماعي بوصفها إحدى أبرز معوقات التنمية في بلدنا وفي الشرق الأوسط، إذ أبرز ما نحتاجه في هذه الحقبة هو إعادة بناء العالم الداخلي، وإعادة إرساء القيم الصالحة للحياة في مجتمعنا الذي لم يعد طيبا كفاية بما يسمح  بتحقيق سعادة أفراده نساء ورجال. ورفض التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الجنس، لأن من حق كل فرد في المجتمع أن يسعى نحو تحقيق سعادته الشخصية، وأن يصل إلى أهدافه، ولكن دون الاعتداء على حقوق الآخرين أو مصادرة حقوقهم في الحياة سواء أكانوا ذكورا أم إناثا.