ورشة عمل كبيرة للإصلاح الإداري


اخبار البلد - على ما شكلت فاجعة مستشفى الحسين في السلط من ألم مسنا جميعا على كل روح نفقدها بفعل هذا الوباء الذي يضرب بقسوة في موجته الثانية، أضحينا جميعا نعيش حالة من الارباك والقلق؛ ولكن في ذلك رسالة تحتاج لإجابة عن حالة الترهل الذي ضرب الإدارة العامة في الأردن وأوصلنا لمرحلة لا مجال فيها للانكار واللجوء للتسكين.
مأساوية الحادث ارتبطت بقصور إداري سيحدد القضاء مسؤولية كل طرف فيه؛ ولكنها دقت ناقوس الخطر الذي أعاد السؤال الى متى يستمر القبول بترهل المستويات الإدارية الوسطى والدنيا؟ وغياب مساءلة الإدارات العليا والمسؤولين السياسيين الذين يتعاملون بمنطق المرور اليومي الآمن دون وجود استراتيجية ومؤسسية.
من باب الموضوعية علينا الاستدراك والقول أن ما نعيشه الآن غير مسبوق عالميا ولم يكن بامكان أي مخطط يسعى لضمان فعالية وأداء القطاع الصحي أن يتوقع أن نصل لهذه المرحلة؛ فطبيعة الجائحة وانتشارها السريع والتحورات المستمرة وسباق الدول على تحصين شعوبها اولا عزز من فرص وجود ثغرات قاتلة.
علينا أن نتذكر أنه وخلال الخمس سنوات الأخيرة تعرضت البلاد لحوادث مأساوية نتجت بفعل انعدام الاحساس بالمسؤولية والتعامل معها بمنطق الفزعة التي سرعان ما تخبو بفعل الأمراض الاجتماعية التي يعاني مجتمعنا منها وأهمها الواسطة والتدخل ومنطق تبويس اللحى وعفى الله عما مضى.
هل تذكرون حادثة انفجار الألعاب النارية في عهد حكومة الدكتور عبد الله النسور نتيجة الاهمال في تكديس هذه المواد الخطرة وهل تذكرون انفجار الصوامع في العقبة اثناء عملية هدمها بشكل بدائي وحادثة غرق الأطفال في البحر الميت في عهد حكومة الدكتور عمر الرزاز ولن اتحدث عن العمليات الإرهابية التي استهدفت الكرك والسلط وحدثت في عهدي حكومة الملقي والرزاز وذهب العشرات من الضحايا الابرياء.
وراء كل تلك الحوادث المأساوية خلل ما أو تقصير قد لا يكون متعمدا ولكن النتيجة أن الكارثة تحل ويدفع الناس ثمنها وتهتز صورة الحكومات ورصيدها نتيجة خلل يرتكبه موظف لا يستحق موقعه.
بالمناسبة نادراً أن يبادر مسؤول لتحمل المسؤولية بالمعنى السياسي ويخرج للناس ليعبر عن الأسف والشعور بالخجل وتحمل المسؤولية بمعناها السياسي والاخلاقي والقانوني وهنا تستدعي الأمانة ان نسجل لرئيس الحكومة شجاعته بتحمل المسؤولية فورا ولوزير الصحة الذي تحمل مسؤوليته وصدع للأمر الملكي وقدم استقالته فورا مع استعداد تام لتحمل كل تبعات ما جرى في ضوء نتائج التحقيق القضائي.
في مثل هكذا ظروف تأخذ الطابع المأساوي؛ تتفاوت ردود الفعل وتتقاطع منطلقاتها؛ هناك من يقع تحت هول المأساة المؤلمة حقا ويذهب للمطالبة بخيارات عاجلة أهمها إقالة الحكومة ومنهم من يسعى لاستغلال الفرصة لتصفية الحسابات السياسية مع الحكومة وربما مع الدولة ومنهم من يختار أن يدفع البلاد للفوضى لحسابات معروفة.
في ظني أن الحكومة في مثل هذه الظروف تحتاج المصارحة والمكاشفة والنصيحة الصادقة بأن المطلوب الآن التعامل مع تداعيات الجائحة والعمل على الخروج من هذا المسار المقلق مهما كانت الكلفة حتى لو لجأت لقرارات غير شعبوية على أن يتلازم ذلك مع الاستعداد لثورة حقيقية في الإدارة العامة الأردنية التي ارهقتها نظرية « من دخل دار أبوسفيان فهو آمن» فلم يعد مقبولا أن ينظر للوظيفة العامة بأنها متسع لقضاء الوقت دون الالتزام بأخلاقيات العمل وواجبات الوظيفة.
ندرك أن إصلاح التراكمات التي امتدت عبر عقود لن يتم انجازه في أسابيع أو أشهر ولكن المهم أن تتوافر إرادة للبدء، وإخال أن هذه الحكومة تستعد لاطلاق ورشة عمل كبيرة للإصلاح الإداري لا بديل ولا خيار عنها.