دلالات الزيارة الملكية لفلسطين


تأتي الزيارة التاريخية لجلالة الملك المعزّز عبدالله الثاني بن الحسين المعظم للسلطة الفلسطينية في وقتها دعما للجهود الفلسطينية في سعيها لنيل استقلالها واقامة دولتها المستقلة على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية من خلال المفاوضات السلمية –والتي تراوح مكانها منذ زمن ليس بالقريب- وهي مؤشر على صدق الروابط الأخوية بين الأشقاء واستمرار تقديم الدعم الأردني اللامحدود للأشقاء سواء من خلال وجود الأردن كبوابة ومتنفس للأخوة الفلسطينيين أو دعمهم في المحافل الدولية سعيا لتحقيق العدالة التي يصبون ويحاولون الوصول اليها، بالاضافة الى المآرب الأخرى للزيارة والتي تأتي في خضم التنسيق والتشاور السياسي والعمل العربي المشترك وأن القضية الفلسطينية هي على سلم الأولويات دوما وخصوصا أن الزيارة تأتي في وقت تقدم الأخوة الفلسطينيين لطلب عضويتهم الكاملة في الأمم المتحدة.

وربما يأتي الهدف الأهم للزيارة للرد العملي على كل الأقاويل والخزعبلات بشأن وهم الوطن البديل وما يروّج له البعض من المتطرفين الاسرائيليين لتصلهم الرسالة الملكية بوضوح بأن الدولة الفلسطينية ستكون على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية،وأن ما يروّجه ضعاف النفوس حول الوطن البديل أو الخيار الأردني وهم سياسي وأحلام مستحيلة لأن الأردن ببساطة اليوم أقوى بكثير فهو قوي بقيادته الهاشمية الفذة التي تجوب العالم بدبلوماسيتها وقوي بجيشه المصطفوي حامي الحمي وقوي بشعبه البطل والرديف للجيش وكلهم لن يجعلوا الفرصة سانحة لأي متخاذل أو جبان أو ضعيف نفس داخل أو خارج هذا الوطن الأشم للمزاودة على ترابه، وأن القيادتين الأردنية والفلسطينية متفقتان تماما على ذلك لأنهما مؤمنتان بحتميّة استقلالية الدولتين وسيادتيهما وعدم الربط بينهما بما يخص قضايا التوطين وغيره. وأن الواهمين والمراهنيين على غير ذلك كلامهم هراء لا يمت للحقيقة بصلة، وعلى العكس من ذلك فإن الأردن هو الداعم الرئيس لإقامة الدولة الفلسطينية والاعلان عنها حماية لمستقبلها وحفظا لحق العودة واللاجئين والقدس والوضع النهائي وخصوصا أنها القضية الأولى أردنيا وأنّ اقامة الدولة الفلسطينية أولوية أردنية.

ولعلّ دعم الأردن لوحدة الصف والشعب الفلسطيني ولجهود تحقيق المصالحة المؤسسة لوحدة الموقف الفلسطيني صوب تحقيق الأهداف التي يصبون اليها مؤشر على أن الأردن يقف على مسافة واحدة من كل الفلسطينيين وبفصائلهم المختلفة وخصوصا فتح وحماس القطبين الفلسطينيين الرئيسين.

كما أن تشديد الأردن على ضرورة وقف الاستيطان من قبل الاسرائيليين يعطي دافعية جديدة للبدء بمفاوضات السلام لغايات حل الدولتين، وعكس ذلك يؤشر على زعزعة الثقة بين الجانبين؛ ما سيؤخّر مساعي السلام ويسهم في تأجيج الموقف في اقليم الشرق الأوسط برمته ويوجّه الأمور صوب الحلول الأمنية والعسكرية لا السياسية.

لقد أثبت جلالة الملك المعزّز قدرته الحكيمة والمتواصلة على العطاء لدعم الأهل في فلسطين وذلك انطلاقاً من فكره الهاشمي المنبثق من فكر الثورة العربية الكبرى، وما الوقفات الهاشمية البطلة لجلالته لصالح القيادة والشعب الفلسطيني إلا مؤشرٌ على السجل المشرِّف الواعي المتزن الذي تتصف به قيادتنا الهاشمية، فمواقف جلالته أثبتت للعالم اجمع أن القضية الفلسطينية ذات بعدٍ سياسي لا أمنى، وان الشعبين التوأمين الأردني والفلسطيني يرتبطان ببعضهما كما يرتبط الزرع بالأرض وكما ترتبط حبات الندى مع أوراق الورد شركاء في الدم والقوت والتفكير والأمل والطموح.

ومنذ اعتلاء جلالته العرش، كان شغله الشاغل القضية الفلسطينية ومناصرة الأهل في فلسطين من خلال لقاءات رؤساء العالم والعرب وعقد المؤتمرات الوطنية والإقليمية لأجلها، والحضور الدولي للدبلوماسية الأردنية وتقديم الدعم المادي والمعنوي ضمن الإمكانات المتاحة ومن خلال الهيئة الخيرية الهاشمية للأهل في الضفة الغربية وقطاع غزة والمكارم الهاشمية الجمّ الأخرى كلها دلائل على ذلك.

فالزيارة الملكية لفلسطين هي فعلا برهان لعمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية والأخوية بين الأردن وفلسطين قيادة وحكومة وشعبا في ظل هذا الظرف الدقيق والذي تمر به المنطقة والعالم ونأمل بأن نشهد في القريب العاجل حركة للأمام وتقدما ملموسا في قضايا المفاوضات السلمية ووقف الاستيطان وقبول فلسطين كدولة في الأمم المتحدة ونحن هنا نراهن على العدالة الأممية في هذا الشأن!

*وزير الأشغال العامة والاسكان السابق