المحامي د . محمد النسور يكتب : حذاري من الفتنة
اخبار البلد - كتب : المحامي الدكتور محمد عبدالله الظاهر النسور
لا أحد يستطيع مصادرة حقنا في التعبير عما اعترانا من غضب وحزن بالغين على أثر الكارثة التي حدثت في مستشفى الحسين الجديد في السلط والتي أودت بحياة كوكبة من شهداءنا الذين نحتسبهم عند الله ، فكانت محل ادانة وشجب واستنكار ليس لأهالي السلط فحسب وإنما لكافة ابناء وطننا الغالي على امتداده، فأرواح الاردنيين أينما كانوا عزيزة وغاليه ولا يجوز التفريط بها أو جعلها عرضة لأي تقصير أو إهمال، خاصة في ظل ما نشهده من جائحة بسبب انتشار فايروس كورونا، والذي أفضى الى أوضاع صحية خطيرة وحرجة دفعت كافة الدول الى ايلاء الوضع الصحي جل الاهتمام والرعاية، بهدف الحد من انتشارهذا الفايروس، وتقديم الخدمات الصحية المناسبة للمواطنين.
نحن ندرك أن الاردن شأنه شأن كافة دول العالم سارع ومنذ بدايات الجائحة على التركيز على الناحية الصحية من خلال اتخاذ الاجراءات الوقائية والعلاجية من تقديم الخدمات والعلاجات وإنشاء المستشفيات الميدانية حتى أصبح انموذجا يحتذى في احتواء الازمة والحفاظ على المنظومة الصحية من التهالك والانهيار، والمحافظة على كل من يتواجد على الاراضي الاردنية من مواطنين ولآجئين ووافدين ومنحهم الاهتمام والرعاية الصحية اللآزمين بالرغم من ضيق الحال وقلة المقدرات.
ولأن كان حق التعبير من الحقوق التي كفلها الدستور، والتي لا نراهن عليها او ندعو الى الانتقاص منها بأي حال، الا أن ممارسة هذا الحق ينبغي أن لا يكون مطلقا دون حدود، بل يتعين أن تكون الممارسة المثلى لهذا الحق ضمن أهداف وضوابط مشروعة وفي حدود القانون، ومن ثم فإن حرية التعبير والوقفات الاحتجاجية من حيث الاصل، إنما تهدف الى أيصال الرأي ووجه الاحتجاج الى الجهات المسؤولة، التي يفترض أن يثبت تجاهلها أو رفضها لتلك المطالب الشعبية التي تتسم بالمشروعية، وبمفهوم المخالفة فإن استجابة المسؤول لرأي الشارع وتفهمه لوجه الاحتجاج ومبادرته الى الاستماع الى الراي الشعبي، يؤدي عقلا الى نشوء حالة من الحوار الديمقراطي دون الحاجة الى تنفيذ الوقفات الاحتجاجية، بل أن تفّهم المسؤول للمطالب الشعبية ووجهة النظر المطروحة يؤدي الى بلوغ الهدف دون أن يكون هناك حاجة الى التصعيد، ومن هنا نقول في مجال الحديث عن كارثة مستشفى السلط الجديد أن الاستجابة السريعة للموقف لم تكن من أي مسؤول في الحكومة، بل كانت من رأس الدولة الذي اعتراه الغضب البالغ جراء الحادثة وبادر الى اصدار امر ملكي باقالة وزير الصحة باعتباره المسؤول أدبيا واخلاقيا، ومن ثم قام بزيارة لموقع المستشفى والتقى أهالي الضحايا، وعبر عن غضبه البالغ واستيائه لما حصل، فكان مكلوما كأي مواطن فقد عزيز عليه في الحادثة، ولم يقف الموقف الملكي عند هذا الحد، فكان حرص جلالته على اجراء التحقيقات اللآزمة من خلال لجنة يرأسها مسؤول عسكري رفيع لضمان الحصول على الحقيقة بمنتهى الوضوح والشفافية، لتحديد المسؤوليات تمهيدا لإنزال العقاب الرادع بحق من تثبت مسؤوليته، وبذلك يكون الهدف من الوقفات الاحتجاجية الهادفة الى ايصال المطالب والسعي الى تحقيقها قد تحقق وأصبحت الوقفات تبعا لذلك غير ذات موضوع.
وفي مجال الحديث عن تنظيم ممارسة حرية التعبير والوقفات الاحتجاجية والضوابط القانونية الواجب مراعاتها، فمن المعلوم أن ممارسة حرية التعبير بكافة أشكاله يتعين ان تكون في حدود القانون دون ان تحوي اية مظاهر او اجراءات تؤدي الى خرقه، باعتبار ان الاهداف المشروعة التي يبتغيها المواطنين تكون منطوية على المشروعية ومنطلقة من سيادة القانون، وهو ما يستتبع القول بأن مظاهر العنف والتخريب التي قد تجري خلال الوقفات الاحتجاجية تكون فاقدة لمشروعيتها، ولا تؤدي إلا الى الخراب وتجسير الفجوة بين المواطن والمسؤول، وتبعا لذلك فإن المواطنة الحقة تفترض الحرص التام على اعلاء سيادة القانون ومراعاة أحكامه، دون أن يرافق ذلك أي مخالفة تستدعي المسائلة، خاصة عندما يكون الامر متعلقا بالأوامر الصادرة بمقتضى قانون الدفاع والتي وضعت أصلا في هذا الظرف الاستثنائي لتحقيق الصالح العام بهدف الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين والحد من انتشار الجائحة.
وأخيرا فإنه مع الحرص التام على الابقاء على الكارثة التي حدثت في إطارها الانساني والقانوني، وعدم اسقاط أي من الاهداف السياسية عليها، إلا أن ضرورات المصلحة العليا للوطن، تستدعي التذكير بالمتربصين به من دعاة الفتنة وأصحاب الاجندات الخاصة، والذين يسعون الى تأجيج الشارع بالدعوة الى تنفيذ الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات في العديد من المناطق والمحافظات، والدس بعناصر تخريبية هدفها زعزعة الاستقرار والأمن في بلدنا الحبيب، في ظل الظرف السياسي الدقيق الذي يمر فيه، خاصة تلك الدعوات المشبوهة الصادرة عن بعض الغربان الذين ينعقون من الخارج والذين يطلقون على انفسهم المعارضة الخارجية، ان ما أذكّر به في هذا المجال، لم يأت من قبيل المزاودة او تسجيل المواقف، بل جاء نتيجة استقراء الاحداث المحيطة بنا، والنظر اليها بشيء من التحليل المنطقي، خاصة في اعقاب الغاء زيارة سمو ولي العهد الامير الحسين بن عبدالله حفظة الله الى القدس للصلاة في المسجد الاقصى في ذكرى الاسراء والمعراج، نتيجة قلب المواقف الذي تمارسة اسرائيل، وما تبع ذلك من الغاء زيارة رئيس حكومة اسرائيل لدولة الامارات العربية المتحدة لعدم السماح لطائرته باستعمال المجال الجوي الاردني ، والذي أدى بطبيعة الحال الى تعاظم حالة التوتر بين الاردن واسرائيل، وفي ظل مواقف جلالة الملك الثابتة والرافضة لصفقة القرن وحرصة الدائم على ترسيخ وتأكيد الدور الاردني في رعاية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، ناهيك عن رفض جلالته لقاء رئيس الحكومة الاسرائيلية منذ أكثر من سنتين، ولعل في ذلك وغيره ما يؤكد وجود احقاد وضغائن موجهة الى الاردن تستدعي منا جميعا أخذها على محمل الجد، خاصة اذا ما توافرت الادوات الرخصية الجاهزة لإثارة الفتن وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما لن يحصل بعون الله نظرا لحجم الولاء والانتماء الكامن لدى الاردنيين لوطنهم ومليكهم حبا وقناعة.