"متصرف" في كلّ مستشفى

اخبار البلد ـ أتفهم تماما قرار الحكومة بتكليف وزير الداخلية بالإشراف على وزارة الصحة ، العسكري القادم من مركزإدارة الأزمات الذي تابع ملف الكورونا طيلة السنة الماضية ، وانتظر الأردنيون إطلالته بلباسه العسكري المهيب المزيون ، حاملا لهم آخر مستجدات الوباء. وأتفهم ارتباك الحكومة وحاجتها لتلتقط أنفاسها المقطوعة قبل اختيار وزير صحة جديد. لكنني أجد صعوبة في تفهم قرار تكليف " متصرف " من الداخلية ليشرف على كل مستشفى ، وأجده استمرارا في عقلية الترهل الإداري والتنظيمي ، واعترافا يبعث على الحزن لما وصلت إليه الإدارة العامة في الأردن. أقول هذا ، ليس خوفا من عسكرة الجهاز المدني كما لمّح البعض ، بل كمؤشر جديد على استمرار ارتباك "عقل" الحكومة وتخبطها ، وعدم توفر مشورة صادقة حولها ، أو حول رئيسها ليقول له كلمة مهنية حقة في إطار عملية " اتخاذ القرار Decision making process" .

تجذرت في مصر ، " ثقافة "عسكرة المواقع المدنية منذ عهد " محمد علي" وحتى الآن ، لكننا في الأردن لا نملك مثل هذه " الثقافة " إلا في الأوضاع الشاذة ، وقلما مررنا بها ، لتعود الحياة المدنية بانتهائها.

تركّز عملية صنع " السياسات " ، عامة أو خاصة ، عسكرية أو مدنية على : " التنبه للمخاطر ، تحديدها وتوقعها ووضع الحلول لمواجهتها " وتمتّ ترجمة هذا المفهوم العالمي الإستراتيجي عمليا في كثير من المؤسسات ، بظهور ما اتفق على تسميته وظيفة " إدارة المخاطر " أو ما هو قريبا من ذلك ، وظهر لهذه " المهمة " قواعد عمل تضبط أدائها ، بما في ذلك المسؤولين الذين ترتبط معهم في عملية " إدارة المخاطر ".

أدرك أن قرار تعيين " المتصرف " سينتهي عند تعيين وزيرا للصحة ، لكن القرار يعبر عن المستوى الذي وصلت إليه الإدارة العامة للشأن العام ، خاصة بعد أكثر من خمسة عشر عاما من إنشاء وزارة " تطوير القطاع العام ". علينا أن نتخلص من عقلية التردي ونحن ندخل المئوية الثانية والعهد الهاشمي الرابع ، لنزيل التكلس عن إدارتنا العامة عودة بها إلى ما كانت عليه من التميز ، فالأردنيون من أرسى قواعدها حينئذ ، وهم من قولب تكلساتها ، وهم قادرون الآن أيضا ، وهم المنتفعون المتضررون في كلّ الأحوال .