العرب بين إنتاج التاريخ وصناعة الكراهية

أخبار البلد-

 

قرأت القليل من كتاب العقل العربي للمرحوم والكاتب الفذ المغربي محمد عبد الجابري والذي تحدث وبإسهاب عن العقل العربي، طبيعته وتكوينه الحضاري والأسباب التي ال الى ما ال اليه، حيث التركيز على الأنا والتشكيك بالآخر حتى لو كان جارًا او صديقًا أو قريبًا، وتغليب العشيرة والقبيلة على أي تجمع اخر تحت عنوان الدم المشترك ولذلك لم تنجح الأحزاب والجمعيات وبتنا في مظلة التقليد الأعمى دون تطوير العقلية السائدة، وللأسف لم يكن تأثير الدين الذي حررنا من بنية العقل العربي إلا سنوات قليلة، حيث قامت أضخم إمبراطورية في العالم، وتخلصنا لسنوات من حكم القبيلة والنسب الطيب حيث كان لصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي كلمة سبقت كلمة « أبي سفيان كبير بني أمية، وكان لعبدالله بن مسعود أحد الموالي هيبة تعاظمت على أبي جهل سيد قريش وزعيمها، وبعد ذلك ربما بسنوات عاد العقل العربي إلى الروح القبلية وما زال.

لقد كُتب على العرب وهم الأكثر نقاء بين كل الأعراق في العالم أن يتجذروا في التاريخ أكثر من الأمم الأخرى، حيث ما زالوا يتناسلوا من العرب العاربة والعرب المستعربة، وجاء القران ليوحد كل اللغات السريانية التي يتحدث بها العرب إلى اللغة الفصيحة التي كانت لهجة قريش أثناء زعامة قصي بن كلاب أحد أحفاد مضر من عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام والجد السابع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تزوج إسماعيل من جرهم أحد بطون العرب العاربة ليؤسس لتواصل عرقي وديني من خلال خاتمة الرسالات وهي الإسلام ليرتقي العرب من أمة تابعة إلى أمة تقود البشرية للصلاح.

ولكن بقي العقل العربي عقلًا تصادميًا مع الذات فيما كان لينًا مع الاخر كما قبل الإسلام حيث عاد الفرس والروم ليتسيدوا الموقف من خلال دخولهم في الإسلام واللعب على وتر الإثنيات العرقية التي أضرت بالعرب كأمة تحمل رسالة وفكر، وبهذا عادت الروح الجاهلية اليهم في كل العصور، ومع أن الأمويين قد ذهبوا غربا ليقيموا دولة الأندلس في أوروبا كان العباسيون يقيمون علاقة وطيدة مع دولة الفرنجة التي هزمت الأمويين في معركة بواتيه « بلاط الشهداء» ، وعندما كان العثمانيون يؤسلمون أوروبا بالجهاد ونشر الدعوة، كان الصفويون الفرس يقارعونها من الخلف ويربكون الموقف مما يضطر العثمانيون للتراجع لتوحيد الصف الإسلامي وفي الأثناء كان العرب كجزء من الامة الكبرى يتراجعون في أماكنهم ولا يلوون حراكًا.

وفي المشهد العربي الذي كان مستنزفًا بغزوات داحس والغبراء وحرب البسوس وحرب بعاث وحرب فجار ألتي كانت من أطول حروب العرب قبل الإسلام في حين كان الفرس والروم من أعظم الأمم إذ اتخذوا من دويلات عربية هي المناذرة في العراق والغساسنة في الشام أتباع لهم.

ولا بد من القفز على كل هذه الأحداث لنصل لما بعد هزيمة الدولة العثمانية نتيجة تدخل الجمعيات الطورانية واليهودية وترك الساحة الخلفية للمستعمر الغربي لاحتلال الأراضي العربية واعتبار فلسطين وطنا قوميًا لليهود، وحملات التخوين التي رافقت وجود المستعمر والمحتل، وموجات الكراهية التي نشأت بعد خروج المستعمر والتي أدت إلى هزائم 48 و 67 وحروب الخليج التي استنفدت طاقات الأمة وأمم إسلامية أخرى وكان يفترض استثمار هذه الطاقات لاستعادة فلسطين التاريخية من براثن العدو الصهيوني، ثم الربيع العربي الذي كان عبارة عن حروب أهلية لم تؤدي إلى نتائج سعيدة بل مزيدًا من التراجع والتضعضع.

لقد آن للعرب أن يأخذوا مكانهم بين الأمم فأمة تمتلك كل هذه المقدرات من المال والبترول والجغرافيا الممتدة بين قارات العالم القديم، والوحدة التي تلوح في الأفق كسراب، مع توفر كل وسائلها التاريخية والاقتصادية والحضارية والدينية ، إلا اننا ما زلنا نتصيد بعضنا ونحارب أي فرصة لوحدة عربية حقيقية ونتطلع لأن يأتي جيل ويحقق حلم الملايين وتعود الأمة العربية لتأخذ مكانها بين الأمم.