مئويّة الأمل... وتستمرّ المسيرة

أخبار البلد-

 

بقلم: د. جمانة مفيد السّالم
جامعة الشرق الأوسط/ كلية الآداب والعلوم

يصدّق احتفالنا في الأردنّ هذا العام بالذكرى المئويّة لتأسيس الدولة الأردنيّة حقيقة راسخة، مفادها أنّ الأمل يولد من رحم الألم، وأن المِنح تأتي من قلب المِحن؛ ففي حين تمتلئ نفوسنا حزنًا ويأسًا، وتضطرب عقولنا خوفًا وقلقًا، بسبب ما ألمّ بالعالم أجمع جرّاء جائحة كورونا؛ تطلّ علينا هذه الذكرى المجيدة العطرة، فتبعث فينا الحياة، وتجدّد في نفوسنا الأمل، مؤكدة أنّ الإرادة تصنع المستحيل، وأنّ العزيمة والإصرار تحقّقان المعجزات.
نعم، إنها مناسبة وطنيّة عظيمة، عزيزة على قلوبنا جميعًا، تخلّد مجموعة من الحقائق التي رسخت على امتداد السنين المئة حول الأردنّ المنيع، الشامخ بقيادته الهاشميّة العظيمة، والمتباهي بإدارته القويّة الحكيمة، والفخور بشعبه المتماسك المعطاء.
لقد كان لي ولعدد من الزملاء الأكارم في مواقع إداريّة مهمّة ومتنوّعة في جامعة الشرق الأوسط التي تفخر بكونها جزءًا من مسيرة هذا البلد العظيم؛ شرف عضوية لجنة مئوية تأسيس الدولة الأردنية فيها، وقد تشكّلت برئاسة الأستاذ الدكتور علاء الدين الحلحولي رئيس الجامعة، الذي يردّد بكلّ فخر وحبّ خلال الاجتماعات الدائمة التي تعقدها اللجنة لغايات التحضير لاحتفالات الجامعة بهذه المناسبة الكبيرة المهمّة؛ كلامًا يلامس قلوبنا ويرفع معنويّاتنا، وهو أنّنا محظوظون - وقد أتيح لنا أن نشهد هذه المناسبة العظيمة في تاريخ بلادنا- بفرصة ثمينة، تبعث فينا الفخر بكوننا ممّن كُتب لهم أن يباركوا منجزات أجدادهم العظماء، الذين أرادوا لهذا البلد أن يكون وأن يدوم، وأن ينْعَم عبر السنين بالأمن والأمان، والاستقرار السياسيّ، وهي دوافع لبذل مزيد من العطاء، ومسوّغات لمضاعفة الإنتاجيّة، ومحفّزات لزيادة الإحساس بالمسؤولية تجاه وطننا ومكتسباتنا في المجالات كافة.
وقد أثارت اهتمامي في الوقت نفسه متابعة حثيثة من سعادة الدكتور يعقوب ناصر الدين رئيس مجلس أمناء الجامعة لأعمال هذه اللجنة، ولتفاصيل خطتها، وتسهيلات على أعلى المستويات لتحقيق أفكارها ورؤاها، مؤكدًا سعادته في كل حين أنّ المئويّة الأولى للدولة الأردنية مناسبة وطنية مهمّة تدعونا لمزيد من الالتفاف حول قيادتنا، وللمحافظة على وحدتنا وترابطنا، وللتمسّك بقيم المواطنة الفاعلة والمسؤولية المجتمعيّة، مثلما تعزّز إرادتنا نحو الاستمرار في الإنجاز، وتدعونا لمواصلة العمل من أجل مستقبل أفضل، وتحفزنا لإعلاء قيم الابتكار والريادة والإبداع، في سبيل تحقيق الإنجازات المأمولة في المئوية الثانية من عمرها، منطلقين من الجامعات، منارات العلم والمعرفة، لنحقق رؤى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله وقد عبّر عنها في الورقة النقاشية السابعة بقوله: " ها هي ذي ثروتنا البشرية، أغلى ما يملك الأردن من ثروات، قادرة، إذا هي نالت التعليم الحديث الوافي على صنع التغيير المنشود، وليس أمامنا إلا أن نستثمر في هذه الثروة بكل قوة ومسؤولية، فلا استثمار يدرّ من العوائد كما يدرّ الاستثمار في التعليم... فبناء قدراتنا البشرية من خلال التعليم المتميّز وتجويد مخرجاته بوابتنا نحو المستقبل. كما أنّ تحقيق الإصلاح الشامل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنهضة التعليمية مهما كانت الظروف والتحدّيات".
وبعد، فإنّ مئويّة تأسيس الدولة الأردنية مناسبة مهمة لبناء قاعدة معرفية راسخة لدى فئة الشباب الأردني حول دولتهم، وقيادتهم، وإنجازات وطنهم عبر مئة عام؛ الأمر الذي يدعم ثقتهم في أنفسهم، ويعزز قدراتهم للمشاركة في هذه المسيرة المستمرة بإذن الله، خلال المئوية الثانية من عمر دولتهم التي اتّخذت من الحكمة نهجًا في إدارة الندرة على مستوى الموارد والإمكانات، لتحظى بالوفرة على مستوى المكانة المتميزة في المجتمع الدولي، والعلاقات الطيّبة مع دول المنطقة والإقليم والعالم، سيّما وأنها لم تتخلّ يومًا عن دورها المهم والمحوري في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وحماية المقدسات الدينية فيها، مثلما تحمّلت تداعيات الحروب والاضطرابات في المنطقة والإقليم، من حولها وظلّت في كلّ حين رمزًا للصمود، ومنبعًا للعطاء، ومبعثًا للأمل.
في محاضراتي الأولى للطلبة طلبتُ إليهم توجيه رسائل إلى فيروس كورونا، أدهشتني مضامينها التي حملت مفارقات عجيبة، وأفكارًا غريبة من وحي تجارب عديدة، ومواقف مختلفة مرّوا بها خلال الشهور الفائتة، لكنها بعامة كانت مغلّفة بالحزن واليأس؛ أما رسالتي له في هذا الوقت العصيب الذي يمرّ به بلدنا على مستوى الجائحة، فهي أنّه لن يستطيع – على أيّ حال- أن يحرمنا لذة الفرح بمئويّة الأمل، وأنّ مسيرة أردنّنا العظيم مستمرّة بإذن الله، وبتوفيقه جلّ وعلا لأهل العزم والإصرار والصمود.