باقية وتتقلص
اخبار البلد - كثرٌ هم منْ يتساءلون عن موعد رحيل هذه الجائحة التي ألمّت بنا، وضيقت علينا سُبل العيش، وباعدت بين الأهل والأحبة والأصدقاء! وهل ثمّة نور يأتينا من نهاية هذا النفق المُظلم الذي علقْنا فيه منذ أكثر من عام؟ وهل ستعود الحياة إلى طبيعتها أم سنبقى أسرى هذه الجائحة، ورهناً للتغيرات التي فرضتها علينا وما تزال؟!
قبل أيام قليلة طرحت مجلة «Nature» الشهيرة سؤالاً على فئة من العُلماء والخبراء في مجال الأوبئة والفيروسات، حول تكهناتهم بوقت انتهاء الجائحة، فتبيّن بأن حوالي (90 %) منهم توقعوا بأن هذا الفيروس لن يُغادرنا قريباً، ولكن هذه الجائحة ستنتهي وتضمحل لتتحول إلى عدوى محلية تستوطن في بعض الدول، وقد تصبح ضيفاً موسمياً ثقيل الظل، يمكن لنا تحمّل تبعاته.
فالعلماء يستلهمون توقعاتهم هذه بدراسة سلوك وأنماط الجوائح التي سبق وأن حدثت عبر التاريخ، وخاصة الجائحة الأعظم التي ضربت العالم العام 1918 وخلفت حوالي خمسين مليون ضحية، إلى أن انتهت بعد ذلك بسنوات. لكن الفيروس المسبب لها والذي ينتمي إلى عائلة إنفلونزا «A» لم يبرح هذا العالم، وما يزال يستوطن في بعض الدول والمساحات الجغرافية ويزورنا موسمياً مُذكراً بنفسه وحاصداً آلاف الأرواح.
ويُرجّح العلماء أن سرعة انتهاء هذه الجائحة تعتمد في الدرجة الأولى على تكوين مناعة مُجتمعية: إما عن طريق الإصابة بالفيروس أو بتلقي المطعوم. وحتى تتحقق هذه المناعة المجتمعية فإن الأمر يتطلب تطعيم ما لا يقل عن
(60 %) من المواطنين، وللأسف فإن هذا المطلب ما يزال هدفاً بعيد المنال في كثير من الدول وخاصةً الفقيرة منها.
وبعض العُلماء يفترضون بأن الإنسان سيتعرض لهذا لفيروس في مراحل عمرية مبكرة في المستقبل، وتحديداً في فترة الطفولة، بحيث يتكون لدى الأجهزة المناعية للمصابين بالفيروس ملف مبكر عنه تحتفظ به الذاكرة، وهذه بدورها حتى ولو ضعفت مع الوقت، ستبقى تحتفظ بذكرى شاحبة عن هذا الفيروس، تُساعدها في التعرف إليه حال عودته، وبالتالي مقاومته وإبطال مفعوله، والتقليل من آثاره.
لم يَبُح هذا الفيروس بعد بالكثير من أسراره، وخاصة تلك المُتعلقة بمدى فعالية تكوين حالة مناعية ضده، وسرعة تحوره واحتمالية الإصابة به من جديد. لكن الثابت أنه لن يكون بالإمكان مقاومته إلا ببرامج تطعيم فعالة، ومن خلال الالتزام بمبادئ الصحة العامة وهذه بدورها لن تتحقق دون استعادة ثقة الناس بالعلم وبالمؤسسات العلمية، وببناء حالة متقدمة من الوعي المجتمعي.
لقد قامت «Nature « بسؤال العُلماء حول أهم العوامل التي يرونها حاسمة في بقاء هذا الفيروس مُتجولاً بين البشر، فكانت أجوبتهم: قدرة الفيروس على تجنب دفاعاتنا المناعية، وسرعة اضمحلال هذه المناعة المُكتسبة، وغياب العدالة في توزيع المطاعيم، والتردد في الإقبال عليها من قبل الناس، وضعف الالتزام السياسي من قبل صانعي السياسات في الدول المُختلفة وبقاء هذا الفيروس عند الحيوانات الحاملة له.
يظهُر العلماء تفاؤلاً حذراً في القدرة على القضاء على هذه الجائحة، وهذا التفاؤل مشروط بعوامل مُعظمها بين أيدينا. لكن إلى أن يحين ذلك الوقت ليس في وسعنا إلا الالتزام بوضع الكمامات والحرص على التباعد الجسدي والحصول على المطعوم فور توفره.