مالك نصراوين يكتب في سوريا ... توريث النهج القومي المقاوم

ما يتداوله اعداء سوريا من مبررات للتكالب عليها ، ضمن المؤامرة الدولية لالغاء دورها المقاوم للاستسلام ، وازالة اكبر عقبة في وجه الهيمنة الامريكية الصهيونية ، هو تبرير هذا التكالب بانه اصلاحي ، يهدف الى تخليص الشعب العربي السوري ، مما يصفونه بنظام حكم ديكتاتوري قمعي ، متجاهلين الخطوات الاصلاحية الحقيقية والهامة التي بدأت فعلا ، من مثل الغاء قانون الطواريء ، واعداد قانون الاحزاب ، والاعداد للانتخابات التشريعية ، والحوار الجاد مع قوى المعارضة الوطنية ، التي ترفض التدخل الخارجي ، وترفض الاحتكام للعنف والارهاب ، الذي تمارسه عصابات اجرامية ، ضد الشعب وابناء الجيش وقوى الامن ، وهي نفس العصابات التي عاثت في سوريا قتلا واجراما ، في النصف الثاني من سبعينيات القرن الفائت ، وانتهت تلك الهجمة بسحق تلك العصابات ، لكن يبدو ان جذورها بقيت حية ، فكان التآمر الخارجي ، وامدادها بالمال والسلاح ، وتسخير فضائيات التضليل والعمالة لخدمتها ، قد اعاد لها الحياة .
كثيرا ما يتطرق المعارضون لسوريا ، ضمن مآخذهم عليها ، الى موضوع توريث الحكم ، وموقع رئيس الجمهورية بالذات ، للتدليل على ان الحكم اصبح عائليا ، وهو موضوع اخذ اكبر من حجمه ، فالجمهورية العربية السورية ما زالت كما هي ، ولم تصبح المملكة العربية السورية ، ولم يبدر من القيادة ما يوحي بمثل هذا التوجه ، ولو بعد مئة عام ، انها حسب تصوري ضرورة مرحلية ، املتها عدة عوامل ، اذكر منها ما يلي :
اولا : من منا لا يذكر الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، الذي كان قائدا قوميا ، تمتع بالشعبية لدى الجماهير العربية ، من المحيط الى الخليج ، كيف انقض على انجازاته سلفه انور السادات ، الذي كان يشغل موقع نائب رئيس الجمهورية في عهد عبدالناصر ، كيف انقض على كل ارث عبد الناصر ، وزج برفاقه في السجون ، وخاض حرب تشرين كمعركة تحريكية ، انتهت بزيارة اسرائيل ، وتوقيع اتفاق كامب ديفيد معها ، وعزل مصر عن امتها العربية ، وعن دورها القومي الرائد ، وكيف انقض على كل القوى الوطنية والقومية واليسارية ، وتحالف مع الاسلاميين لضرب تلك القوى ، الى انتهى به المطاف ، قتيلا من قبلهم ، فلو تصورنا خالد جمال عبد الناصر ، قد قاد مصر في المرحلة التالية ، هل كانت مصر ستصل الى ما وصلت اليه اليوم ؟ وهل كان دورها كما هو اليوم ؟ وهل كانت حال الامة العربية كحالها اليوم ؟ انه مجرد تصور ، وانا متاكد ان الشعب المصري كان سيرحب بمثل هذا التغيير لو تم ، خاصة انه في تلك الحقبة ، لم تتبلور مفاهيم الديمقراطية ، بمثل ما هي عليه اليوم ، وشعبنا مع الاسف ، ما زالت فئة كبيرة منه ، قاصرة عن ممارسة الديمقراطية ، حيث ستصبح صناديق الاقتراع ، اوعية لتفريغ الاحقاد الاقليمية والطائفية .
ثانيا : لو لم يتم اختيار الرئيس بشار الاسد رئيسا لسوريا ، لكان الاختيار قد وقع على عبدالحليم خدام ، الذي كان يشغل موقع النائب الاول لرئيس الجمهورية ، وها هو خدام اليوم قد كشف اوراقه ، فبالاضافة الى الفساد الذي مارسه مع ابنائه ، وانشقاقه وفراره الى فرنسا ، وكلنا يذكر مقابلته التفزيونية الشهيرة ، التي اعلن فيها الانشقاق ، وال 'نعمة' الخليجية الحريرية التي بدت عليه في مكان اقامته ، والملايين التي قبضها مكافأة له على انشقاقه ، ها هو اليوم يعمد خيانته لوطنه سوريا ، بالدعوة الى تدخل خارجي ، لن ينال سوريا منه الا التدمير والقتل ، ليأتي خدام ورفعت الاسد ، الذي كان نائبا ثالثا لرئيس الجمهورية ومن على شاكلتهم ، ليحكموا اطلال سوريا ، بحماية حراب الامريكان وغيرهم ، انه لمن حسن الطالع ، ان تكشف الايام حقيقة من رفعوا رايات الانتماء الوطني والقومي .
ثالثا : ليست سابقة في التاريخ المعاصر ، ولانظمة حكم ثورية واشتراكية ، ان يتم اختيار الابن او الاخ ، لزعامة الدولة ، كلنا يذكر رئيس كوريا الشمالية كيم ايل سونج ، الذي خلفه ابنه في قيادة الحزب والدولة ، ولا بد هنا ان نذكر ، ان الرئيس الراحل حافظ الاسد ، كان معجبا بكوريا الشمالية وقيادتها ، واذكر انه زار كوريا الشمالية في منتصف السبعينات ، ونقل عن كوريا تجربتها في اعداد النشيء الجديد ، فكانت منظمة طلائع البعث ، اقتباسا عن تجربة كوريا الديمقراطية بهذا المجال ، حيث تقوم هذه المنظمة ، باعداد معسكرات صيفية في مواقع سياحية ، لاطفال المدارس في المرحلة الابتدائية ، يتم من خلال برامجها ، اعدادهم ثقافيا واجتماعيا ، بترسيخ مباديء الحزب القومية في اذهانهم ، وصقل مواهبهم في كل المجالات ، وكم كان منظرهم رائعا ، وهم يجوبون شوارع دمشق ، او يقدمون فقراتهم الفنية في المناسبات ، ولا بد هنا ان اتذكر ، ان محطة الجزيرة قامت قبل شهرين ، بنقل خبر مفاده ، ان انشقاقا حدث في معسكرات الطلائع في منطقة الزبداني ، قرب دمشق ، ظنا منها انها معسكرات للجيش ، وتم سحب النبأ لاحقا عن الانترنت ، بعد ان تأكدوا انها مجرد مخيمات كشفية للاطفال .
ويجب ان نتذكر ايضا ، حالة مماثلة في دولة اشتراكية ثورية ، هي كوبا ، حيث آلت زعامة الحزب والدولة ، الى راؤول كاسترو بعد مرض فيديل كاسترو ، حتى على مستوى الاحزاب الوطنية اليسارية ، الم تخلف فرحة بكداش والدها خالد بكداش ، في زعامة الحزب الشيوعي السوري ؟
هذه حالات تطرقت لها ، تؤكد ان توريث المنصب في مرحلة معينة ، لا يعني انها اصبحت قاعدة ثابتة في الحكم ، فمن قال ان الرئيس بشار الاسد سوف يورث الحكم لابنه ؟ ومن قال ان الرئيس بشار الاسد ، ينوي الاستمرار في الحكم الى ما لانهاية ؟ ومن منا لا يذكر نهجه الاصلاحي في بداية حكمه ، وما سمي ربيع دمشق ، وكيف خرجت جرذان من جحورها ، للانقضاض على المنجزات ، ونشر الفوضى باسم الديمقراطية ، وكيف تسببت ظروف قاهرة ، عاشها العراق بعد سقوط بغداد في قبضة الامريكان ، وعاشها لبنان بعد اغتيال الحريري وغزو لبنان لاحقا ، في تاجيل تلك الخطوات الاصلاحية .
لا يجب ان نقيم الامور بمعزل عن الزمن ، وعن الظروف الموضوعية والذاتية في كل زمن ، وانطلاقا من هذا الامر ، فانني استطيع القول ، ان سوريا كانت السباقة في الاقطار العربية لممارسة التعددية ، فهل نسينا ان الجبهة الوطنية التقدمية ، قد تم انشاؤها في سوريا ، بعد الحركة التصحيحية عام 1970 ، وتضم احزابا قومية ويسارية تشارك في الحكم ، ولو بشكل محدود ، ان ذلك كان انجازا سوريا سجل قبل اكثر من اربعين عاما ، قبل ان نسمع بمفاهيم التعددية ، التي اصبحت اليوم ، كلمة حق يراد بها باطل .
اما الاهم من كل ذلك ، فهو تقييم نهج الرئيس بشار الاسد ، الذي ما زال هو النهج القومي المقاوم ، لكل اشكال الهيمنة على مقدرات والامة ، والرافض لكل الحلول الاستسلامية ، التي تنتقص من حقوق العرب ، النهج الذي عزز قدرات الوطن السوري ، وحقق الاكتفاء الذاتي ، واختفاء المديونية ، وتحقيق فائض في الميزانية ، يقدر بعشرين مليار دولار ، انه نهج يوجب الدعم من كل ابناء الشعب العربي السوري ، ومن كل العرب .
مالك نصراوين
m_nasrawin@yahoo.com
20/11/2011



مالك نصراوين