بالصورة والكلمة ...نيفرتيتي ترصد قصة نجاح مقهى "جفرا "...صور


نيفرتيتي _خاص_ كوثر عرار

* حلم "عزيز المشايخ " بدأ بجفرا ... وتكاثر مع "ركوة عرب" والحمام العربي" ثم "جفرا العقبة " .

* المشايخ : اعشق وسط البلد فأعدت الحياة لقلب عمان العتيق بهذا المقهى .

* المشايخ: القمامة والحجارة ركن اساسي لبدايات أوقدت من خلالها مقهى "جفرا"

النجاح يصنعه أبطال حقيقيون بدواخلهم يكمن الحلم والرغبة والرؤية والتصميم ويملكون الجرأة لتحقيق الحلم.....

 الإنسان الحالم."عزيز مشايخ" شاب ثلاثيني من سكان مخيم النصر عاش سنوات وهو يحلم ويهذي بحلمه للأصدقاء والمعارف وكل من عرف، لكنهم لم يأخذوا كلامه على محمل الجد!! لكنه كان دائما يقول أنا أرى حلمي حقيقة ماثلة أمامي وأمام الجميع....  وفعلا شاهد الجميع وعلى الارض حلم عزيز المشايخ حقيقة راسخة بمكان فيه من الإبداع الإنساني واللوحات الثقافية والشاعرية والموسيقى العذبة التي تصل للقلب مباشرة..... وكبر الحلم وفرخ أحلاما اكبر وأجمل .. نجاح متميز بسنوات قليلة،  علما ان عزيز ينحدر من عائلة فقيرة عليها الكثير من المسؤوليات والالتزامات خاصة بعد ان وجد نفسه مسؤولا عن أمه وستة أفراد ثلاثة أخوة وثلاث أخوات، وأب في ذمة الله ، كيف حقق كل هذا النجاح، وما هو سر قوته وإيمانه؟؟ وهل ظروف حياته ساهمت في تميز إبداعه؟ .....

قال لنا المشايخ جفرا ولدت من بين أكوام القمامة والحجارة ومن تحت ركام بناءا كان أيل للسقوط، وشق ضوء "جفرا" عتمة وسط البلد وأعاد الحياة إلى قلب عمان، حيث التاريخ والتراث وقصص العابرين,  ورواية عشق لم تكتمل بعد....

نيفرتيتي : هل الحالم يدرك الموضوعات الملموسة والمحسوسة؟! كيف تحول الحلم إلى حقيقة؟؟

ما حدث معي اقرب إلى أحلام اليقظة وسبب هذه الأحلام ما حدث في عمان القديمة من تفريغ للمؤسسات الثقافية ومحاولة النزوح من وسط البلد إلى أماكن ومحلات تحاكي الفكر الغربي وخاصة لدى الشباب، وكلنا يعلم أن هناك من يقوم بتغذية الثقافة الغربية لدى هؤلاء الشباب، ومن هنا بدأت الحلم يتحول إلى أفكار والأفكار تحاكي داخلي لإيجاد حالة ما تبعد الشباب عن حالة التغريب وتعزيز كل ما هو شرقي وإحياء للثقافة العربية،  وانهالت الأسئلة بكثافة في راسي عن الطرق والوسائل والآليات العملية، كبرت الفكرة لدرجة لم اعد احتمل وجودها بداخلي ويجب أخراجها وتنفيذها، وبدأت بالبحث عن مكان في وسط البلد "عمان القديمة"، كان ذلك في بداية  الألفية الثانية. وكثير من الكتاب والمثقفين والمعارف كان يبحث عما ابحث عنه ولكن كل بوسائله وجاء الجواب على كل ما يجول برأسي من سيعلق الجرس أولا... فكانت "جفرا"...

 

 

 

 

نيفرتيتي: لماذا كان خيارك عمان القديمة؟

أنا شخصيا اعشق وسط البلد ومن خلال عملي في الصيانة والترميم وأعمال الديكور كنت أتجول كثيرا في قلب عمان القديمة المقتولة بسبب هجران البشر وإفراغ المؤسسات من قبل الحكومة ومحاولة هدم كل ما هو قديم،  فقررت ان أساهم في إعادة الحياة لهذا القلب العتيق إعادة نبش للحضارة والتاريخ القديم من خلال التراث والثقافة المحكية وجعلها مكانا لا ينام بعد ان كانت تغلق شوارعها بالساعات الأولي لليل. وهناك جانب أخر وهو استهداف كل الشرائح الأردنية وخاصة العائلة الأردنية، ودمجها بوسط البلد ودفع السائح العربي والأجنبي لزيارة وسط البلد ليحاكي بدايات تشكيل عمان.

 

 

 

 

 

نيفرتيتي:  هل يكمن نجاح الحلم والفكرة بجغرافيا المكان؟؟ وكيف وجدت هذا المكان "جفرا"؟؟

 المكان هو عبارة عن عمارة من عدة طوابق شيدت في الخمسينيات، والطوابق الأولي كانت مهجورة من سنوات وكانت مقر لبعض المتسولين ومكب نفايات،  أي اقرب إلى المكرهة الصحية، جدرانه سوداء كالفحم وكأن نيرانا اشتعلت بها، وفيها الكثير من الطمم والحجارة و...و... وقفت فوق هذه الكتل  وبين تلك الجدران وكل الأشياء وتخيلت المكان خال من كل مافيه،  وقلت هذا هو المكان الذي أريد وابحث عنه، وأصبح المكان في راسي له شكل أخر... وهنا علقت الجرس وبدأت الخطوة العملية الأولى لتحقيق الحلم، اتصلت مع أصحاب العمارة وعرضت عليهم ان أقوم بصيانة العمارة وتنظيفها بالكامل مقابل تخفيض  إيجار المكان. ...

 

 

 

 

نيفرتيتي:  كيف تغلبت على كل هذه الصعوبات؟؟

التصميم والإرادة هما من تغلبا على تلك الصعوبات، خاصة في الأيام الأولى من العمل لم يكن من السهل تنظيف المكان وإخراج أكثر من مائتي سيارة طمم ونفايات، كنت أمارس عملي الخاص بالصيانة مع من يعملون معي "شغيلتي" الذين امنوا بفكرتي وساعدوني بالعمل وما زالوا معي حتى هذه اللحظة، كنا نعمل ما بين 18 و 20ساعة يومياً، ومن الصعوبات التي واجهتنا الضيق المالي الذي كان يمنعني من الاستعانة بأيدي عاملة لانجاز العمل بسرعة اكبر،  إلا في حالات صعبة جدا  لا استطيع انا ومن معي التغلب عليها كسيارات نقل الطمم والقمامة الخ.. وخلال العمل بالمكان كان يزورني بعض الأصدقاء والأقارب واغلبهم كان يقول لي: أنت مجنون، هذا مشروع فاشل ولن يكون هناك أي نتيجة وفر على نفسك التعب والمصاريف و... ، لكن هذا الكلام كان يعطيني دافع اكبر وإصرار على إتمام العمل وانجاز أفكاري.

 

 

 

نيفرتيتي : من أين لك هذه القدرة على التصميم والإرادة؟

 من إيماني بفكرتي وقناعتي بنجاحي وثقة والداتي الحاجة أمنة التي وقفت إلى جانبي منذ البداية هي وأخواتي البنات وساعدتني ماديا ومعنويا، كانت والدتي تعمل جمعيات مع نساء المخيم ومع الأقارب وتدعمني بها، وقدمت لي كل ما لديها من ذكرياتها من والدي، رغم تقصيري اتجاه الأسرة خلال العمل في انجاز مشروع "جفرا"،  لضيق الوقت كما قلت لك سابقا، أحيانا كثيرة من التعب والإرهاق والألم كنت أنام في المكان ساعات قليلة من اجل متابعة العمل... الذي استمر أربع سنوات لانجاز شيء بسيط ومتواضع في البداية.

 

 

 

نيفرتيتي :  المشاهد لتصميم وديكور المكان يلاحظ ان الكراسي والطاولات والأرضيات والجدران تحاكي الإنسان، كيف صنعت ذلك؟

عملت كل ذلك بيدي، كنت اذهب إلى مناشير الحجر وكنت اجلب مخلفات تلك الأحجار وكنا أنا والشباب نقوم بقص الحجر وتجهيزه للأرضيات والجدران، طبعا استمر هذا فترة طويلة من الزمن وبعد ذلك وصلنا لمرحلة الكراسي والطاولات، وبسبب ارتفاع أسعار الأخشاب وعدم توفر المال في تلك المرحلة فكرت بطريقة اقل تكلفة لجلب الأخشاب فذهبت إلى أماكن الشحن التي تبيع صناديق الشحن بالكيلو،  فاشتريت تلك الصناديق وأحضرتها إلى المكان وبدأنا بتجهز أشكال مختلفة من الطاولات والكراسي بعضها كان يأخذ شكل الخشب بدون أي تعديل فمنح المكان أصالة وجمالا،  أحببت المكان كثير وهو أيضا احبنى لدرجة لم اعد أفارقه ليل نهار، وبدأت خطوة البداية وهي الافتتاح وكنت كلما حددت موعدا أقوم بتغيره كنت أقول هذا الأسبوع او هذا الشهر إلى جاءت اللحظة المناسبة وكانت في 12تشرين أول 2006، وساعدني كثر من الأصدقاء في الإعداد للافتتاح والوقوف إلى جانبي خاصة بعدما شاهدوا المكان في شكله الجديد. عندها رأيت نظرات غير التي رايتها سابقا وسمعت كلمات غير التي سمعتها سابقا...

 

 

 

نيفرتيتي :  كيف كان إحساسك يوم الافتتاح؟؟

 رغم ان الفكرة تأخر تنفيذها بسبب ظروف العمل، إلا ان الافتتاح جاء كصرخة مدوية من الحضور وأنا لم أتوقع هذا الكم  والنوع من الحضور ولا ردة الفعل التي سمعتها وشاهدتها على وجوه الحاضرين... بعضهم قال هذا هو المكان الذي نبحث عنه، وبعضهم قال هذا هو مكاني، في تلك اللحظة نسيت كل سنوات التعب والمعاناة وقلت للجميع انتم أصحاب المكان، وأنا صاحب الفكرة ولكن المكان لكم جميعا.

 

 

نيفرتيتي:  ما هو سر نجاح مقهى "جفرا" ؟...

 

لان فكرة (جفرا ) لم تكن مجرد مقهى شعبي لاحتساء القهوة وبيع الاراجيل وإنما كخطوة أولى في مسيرة تطوير وسط البلد واسترجاع أصالته وعبقه القديم، وجفرا استهدفت العائلة الأردنية من طفل وامرأة ورجل، وفكرة المقاهي عند مجمعنا كانت للذكور فقط.

 وبنفس الوقت نسعى لمواكبة العصر دون التخلي عن ثقافتنا العربية الخاصة بنا , فكما ترى بنفسك وسائل الاتصالات متاحة ومتوفرة كالانترنت مثلا وجميع المشروبات متوفرة إلا ما هو مقاطع منها،  ونستبدلها بمنتج محلي، ونمنع دخول الوفود الصهيونية وسبق وطردنا أكثر من مجموعة مع دليلهم السياحي وهذا نابع من الحس الوطني،  وهذا حق شرعي يكفله لنا القانون وحرية الرأي والتعبير في الأردن .

 

نيفرتيتي : لماذا "جفرا" ؟؟

 

لارتباط قصة جفرا بالتراث والأدب....جفرا ليست أسطورة بل هي قصة واقعية وقعت أحداثها في الثلاثينيات من القرن الماضي في قرية اسمها “كويكات” في الجزء الشرقي من سهل مدينة عكا الفلسطينية وأصل القصة كما ورد على لسان المؤرخين ان هناك شاعر أسمه “أحمد عبد العزيز علي الحسن” وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم “أحمد عزيز” كان عزيز قوي البنية مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل الشعبي , تقدم عزيز إلى ابنة عمه وطلبها للزواج حيث كان مغرم بها وقد أجبرت على قبول الزواج منه ولكن بعد أيام صارحته بعدم رضاها وحرصا منه على سمعتها قرر أن يطلقها بعد مرور بعض الوقت وتم ذلك بالفعل،  بعد ذلك بفترة تزوجت من ابن خالتها، رغم ذلك ظل أحمد عزيز متمسك بها وبحبه الذي لم يكتمل وراح يتغنى بالأشعار والقصائد التي تصور حالة عشقه ولكي لا يتم تداول اسم ابنة عمه على لسان الغرباء أطلق عليها اسم “الجفرا” فلم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر “أحمد عبد العزيز علي الحسن” عليها تشبيها لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. 

 

نيفرتيتي : الحلم فرخ أحلاما ومشاريع من جفرا إلى ركوة عرب إلى جفرا العقبة، هل هناك المزيد من الأحلام؟؟

 

 أن التجربة الحقيقية تشتق من أحلام اليقظة أي أفكار اليقظة...أتخيل أحيانا  أني أصادف شخصيات معروفة وأحادثهم، وبعد فترة من الزمن ألتقي هؤلاء الناس، وأنا تخيلت جفرا وركوة عرب وأصبحت حقيقة موجودة فعلاً. وما يحدث معي غريب  اسمع أصوات لها ملامح تود الإفصاح عن ما تحمله من أسرار وأفكار وتبقى هذه الأصوات في عقلي بحركة دؤوبة لا تنتهي إلا إذا رايتها أمامي  تثير أسئلة كثيرة للمتلقي... مثل المسرح والبازار الذي نعرض به المقتنيات التراثية والأثرية وهو في الطابق الأرضي،  والمكتبة التي تحتوى على مجموعة مميزة من نتاج الكتاب والباحثين والحمام العربي ذو الطابع المعماري الدمشقي المختلط بعراقة وأصالة عمان،  وركوة عرب وجفرا العقبة كلها أصبحت احلاما مدركة وملموسة لها رائحة وطعم ... وسيتم افتتاح فندق شرقي في الطالق قبل الأخير للمكان الذي أصبح ملك لنا بعد ان قمت بشرائه من أصحابه، وهناك الكثير من الأحلام  لم تتحقق بعد...

 

كلمة أخيرة  للشباب الباحث عن النجاح...

 التصميم والااردة هما أكسير النجاح.. ومن ثم التخطيط والتحضير للعمل الجاد، لان الأعمال الكبيرة تتحقق بالإصرار وعلينا التعلم من تجارب الآخرين ومن أخطاؤنا.

 

جفرا أمي إن غابت أمي ... جفرا الوطن المسبي الزهرة والطلقة... والعاصفة الحمراء

جفرا.. من لم يعرف .... غابة زيتون ورفيق حمام

وقصائد للفقراء... جفرا من لم يعشق جفرا .... فلدفن رأسه في الرمضاء

 

على هذه الكلمات الساحرة للشاعر عز الدين مناصره،  موسيقى وصوت مرسيل خليفة التي عكست روح المكان وألقه كان حوارنا مع الشاب صاحب مجموعة من المقاهي الناجحة  عزيز المشايخ، البطل الحقيقي لنجاح مشروع أصبح معلم من معالم وسط البلد ومزار يقصده الشباب والشيبة والعرب والسياح من أرجاء العالم كافة.