الجدار.. إلى تيسير النجار


هذا النص كتب قبل أزيد من ٢١ عاماً، ذات لقاء جمعنا في كافتيريا جريدة " شيحان"، وكان مهدى " إلى تيسير النجار.. شاعراً"، أعيد نشره في وداع تيسير ، رحمه الله: 

أعترف.. أن أيا منا لم يفكر في عواقب ما ارتكبنا: العشاق لا يفكرون عندما يموتون حبا، والشجعان لا يفكرون عندما يتهورون، والمجانين عندما يهوون إلى آخر قرار.. كنا أبرياء بلا سبب. 

دون موعد، جمعنا مقهى بعد سنتين من الغياب، انهمكنا بإحصاء أضلاعنا، ما تبقى منها: كشفت له عن مكان ضلع تهشم، حشوته بأوراق بردي، وآخر أسندته بقناة رمح وثني، والثالث بما تيسر من صحائف نبي.. 

على حين غرة، مد يده والتقط المزهرية قال: لا أريد أي شيء يحجبني عنك؟ 

صحت به، قبل أن يضعها جانباً: اقذفها إلى الجدار.. 

تسمرت يده في الهواء، رمقني بنظرة ذاهلة، ودون أن أجيب التقطت منفضة السجائر وقذفناهما معاً بتواقت غريب إلى الجدار. 

تبادلنا نظرات مجنونة مفعمين بانتشاء مثير، ومن ثقب في العقل، انقذفت الفكرة.. حرى، فشرعنا نقذف الأشياء: فناجين القهوة ،الصحون ،الملاعق، الكراسي والفقر والجوع والإحباط والواقع الثقافي والاجتماعي وتطورات العملية السلمية والجرائم الامريكية في العراق.. ومحفظتينا إلى الجدار. 

لحظة توقفنا لالتقاط أنفاسنا ونحن نضحك.. نضحك كمجنونين ، كان الزبائن و"الجارسونات" والمارة يقذفون الأشياء بعنف وانتشاء واضحين تجاه الجدار .. الجدار الأخير .